آرون إي. كارول
TT

قرار فرض التطعيم بين العصا والجزرة

سيكون من الرائع أن تحقق الولايات المتحدة مناعة القطيع؛ فقط من خلال مسار الحوافز التي يجري توفيرها للتشجيع على تلقي اللقاح، مثل تذاكر لحضور فعاليات رياضية، أو مشروبات مجانية. بوجه عام؛ لا يحب الأميركيون أن يخبرهم أحد ماذا عليهم أن يفعلوا، وطوال الوقت تقريباً يفضل المسؤولون العموميون اتباع سياسة توزيع حوافز نقدية على سياسة العقاب.
ووصل هذا الأمر إلى حد أن البعض ينظر إلى مسألة فرض تلقي اللقاح على أنها أمر مناقض للنهج الأميركي، بينما في حقيقة الأمر أن فرض اللقاح يمثل جزءاً من النسيج الذي قامت عليه البلاد، ذلك أنه أثناء «حرب الاستقلال» كان التطعيم ضد الجدري شائعاً في أوروبا. وبفضل ذلك، كان جنود الجيش البريطاني بمأمن، إلى حد كبير، من الجدري، لكن هذا لم ينطبق على الجيش الأميركي. وحينها، أدرك الجنرال جورج واشنطن أن التطعيم الإجباري العام ضروري للانتصار في الحرب، وأعلن ذلك أمام الكونغرس عام 1777. ورغم أنه واجه مقاومة ورفضاً، فإن سياسة فرض التطعيم التي اقترحها نجحت.
وعلى الرغم من أن موجات تفشي الجدري كانت شائعة على امتداد السنوات القليلة التالية، وتضرر جراء ذلك بشدة الأشخاص الذين كانوا عرضة للإصابة بالمرض، فإنه لم يحدث ارتباك في أي من أفواج الجيش الأميركي بسبب الجدري أثناء الحملة الجنوبية. ويمكن القول إن سياسة فرض التطعيم أسهمت في الانتصار في الحرب التي استمرت لسنوات.
اليوم، تبدو معدلات التطعيم متجمدة داخل كثير من المناطق عبر أرجاء الولايات المتحدة، في الوقت الذي تقع فيه جميع حالات الوفاة تقريباً في الوقت الحالي في صفوف من لم يتلقوا اللقاح. في ولاية إنديانا؛ حيث أعيش، فإنه من بين من يبلغون 18 عاماً أو أكثر، لم يحصل على اللقاح بصورة كاملة سوى النصف فقط.
وهناك بعض الولايات؛ من بينها أوهايو المجاورة، نظمت «يانصيب» أو تولّت توزيع جوائز، في محاولة لحث الناس على تلقي اللقاح. وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الإجراءات تشكل «الجزرة» أو الحوافز الإيجابية للسلوك. وبالتأكيد فإنه عندما يتعلق الأمر بالمحفزات، تفضل الغالبية «الجزرة». ومع ذلك؛ فإنه في بعض الأحيان يحتاج الناس كذلك إلى «العصا».
عندما كانت الولايات المتحدة تحارب الجدري منذ أمد بعيد، تطلب الأمر فرض التطعيم إجباراً من أجل إنجاز تطعيم عدد كاف من الأفراد. ومن أجل القضاء على شلل الأطفال، اتبعت الولايات المتحدة السياسة ذاتها. الحقيقة أن تقريباً جميع الأمراض المُعدية الكبرى داخل البلاد - الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والسعال الديكي والدفتيريا وغيرها - وُوجهت من خلال حملات تطعيم إجبارية من جانب المدارس. وكانت النتيجة تطعيم الغالبية العظمى من الأطفال، وبمرور الوقت أصبحوا بالغين حاصلين على التطعيم. وعبر هذه الوسيلة، نجحت البلاد في تحقيق مناعة قطيع حقيقية. إلا إن هذه العملية قد تستغرق عقوداً، في وقت يشكل فيه وباء «كوفيد - 19» حالة طارئة، بينما لا نملك كثيراً من الوقت.
من ناحية أخرى؛ من المحتمل أن تحصل اللقاحات المعتمدة على الحمض النووي الريبوزي المرسال، مثل «موديرنا» و«فايزر»، على موافقة كاملة لاستخدامها من جانب «إدارة الغذاء والدواء» قريباً، وهي موافقة ربما تكون ضرورية من أجل جعل اللقاحات إجبارية على نطاق أوسع. واليوم، أصبح معروفاً بالفعل أن اللقاحات آمنة وفاعلة، بعدما حصل عليها مئات الملايين من الأفراد، وبدأ مزيد من المؤسسات في إجبار موظفيها على الحصول على اللقاح. ومن غير المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة من التغلب على الوباء من دون مثل هذه النوعية من الإجراءات.
في الوقت ذاته، تحمل تجربة الولايات المتحدة في التعامل مع الأمراض التي لا يجري فرض لقاحات ضدها، دروساً مستفادة؛ ذلك أنه في هذه الحالات ظلت معدلات الحصول على اللقاح أقل بكثير من المستوى المأمول. على سبيل المثال؛ جرت الموافقة داخل الولايات المتحدة على لقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري، الذي يحمي من مرض ينتقل جنسياً منتشر للغاية وغالباً ما يصيب المرء دونما أعراض ظاهرة، ويمكن أن يؤدي للإصابة بالسرطان. ورغم الدعوات لجعل الحصول على هذا اللقاح إجبارياً، فإن هذا الأمر لا تطبقه سوى المدارس في عدد قليل من الولايات والعاصمة واشنطن وبورتو ريكو، ولم يُفرض مطلقاً خارج المدارس، حيث من المؤكد أنه سيحقق نفعاً كبيراً.
ورغم أن هذا اللقاح حصل على الموافقة عام 2016، فإنه لم يحصل عليه اليوم سوى نحو نصف المراهقين. والأسوأ من ذلك؛ أن 22 في المائة فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاماً؛ وهي الفئة الأكثر عرضة لخطر الإصابة، حصلوا على اللقاح.
ويعدّ لقاح الإنفلونزا مثالاً آخر على لقاح نادراً ما جرى فرضه داخل الولايات المتحدة، ولم تقترب البلاد حتى في هذا الصدد من مستوى الحماية الذي يأمله خبراء الصحة، حتى خلال فترات تفشي الأوبئة.
وعندما يتعلق الأمر بمناعة القطيع، يكتسب المجتمع في مجمله أهمية كبيرة، ذلك أن معدلات الحصول على اللقاح على المستوى الوطني أو مستوى الولاية يصبح أدنى أهمية من المعدل ذاته بين الأفراد الذين يعيشون حول المرء ويتفاعل معهم. ويعني ذلك أن المجموعات الصغيرة يبقى بإمكانها اتخاذ إجراءات فاعلة لحماية نفسها وحماية من حولها من وباء «كوفيد - 19». وبالفعل نلاحظ أن عدداً من المستشفيات ومؤسسات الرعاية الصحية جعلت مسألة الحصول على اللقاح إجبارية لما تتضمنه هذه الأماكن من مخاطرة أعلى.
كما فرضت بعض الكليات والجامعات على الطلاب والأساتذة والعاملين الآخرين لديها الحصول على التطعيم قبل العودة إلى الحرم الجامعي. وترغب المدارس من جانبها في العودة إلى الفصول كاملة العدد والحياة المدرسية النشطة؛ بما في ذلك من فعاليات رياضية وفنية. ويتمثل السبيل الوحيد لتحقيق ذلك بسرعة وأمان في التطعيم.
وتكشف الأرقام عن أن ما يزيد على 500 كلية وجامعة داخل الولايات المتحدة جعلت الحصول على اللقاح أمراً إجبارياً حتى الآن، كما أقدمت بعض الشركات الخاصة على الأمر ذاته.
ومن المؤكد أن فرض اللقاح سيلقى بعض المقاومة، لكن المهم هنا استيعاب أن فرض التطعيم لا يعني أن الأفراد سيُقيّدون ويعطَون اللقاح ضد رغبتهم؛ وإنما يعني مثلاً أنه لن يكون من الممكن السفر في عطلات لأماكن معينة من دون الحصول على اللقاح.
كما أنه يجب الأخذ في الحسبان أنه ستكون هناك استثناءات فيما يخص فرض التطعيم، مثل الأشخاص الذين يتعذر عليهم الحصول على اللقاح لأسباب طبية أو لاعتبارات دينية، وهي استثناءات يحميها القانون والعرف.

- خدمة «نيويورك تايمز»