جمال الكشكي
رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي». عضو مجلس إدارة مؤسسة الأهرام. عضو مجلس أمناء الحوار الوطني. عضو لجنة تحكيم جائزة الصحافة العربية. عمل مذيعاً وقدم برامج في عدة قنوات تليفزيونية.
TT

ليبيا: الطريق إلى 24 ديسمبر

ثمة محاولات واضحة من بعض الأطراف، لوضع مطبات سياسية في الطريق إلى الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل وليبيا في مفترق طرق، إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، طوق نجاة، العبث بهذا التاريخ إعلان بعلم الوصول للعودة إلى المربع الأول. الفرصة مواتية لكسب الوقت، وإنجاز خطوات على الأرض.
الطريق إلى موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا، مليء بالأشواك السياسية، اقتلاعها من الجذور واجب وطني، اختلاق الأزمات لعبة سياسية يتقنها أصحاب المصالح.
أول هذه المطبات التي تسعى لعرقلة مسار الوصول إلى الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول)، هو الخلافات بين الفرقاء الليبيين، الاهتزازات في البيت من الداخل. الشراكة الوطنية باتت مهددة، فريق يؤمن بعودة مؤسسات الدولة، وفريق آخر يرى مصالحه في بقاء واستمرار مشاهد الميليشيات، وارتكازات المرتزقة، كلما جاءت الحلحلة وجدت مَن يضع العربة أمام الحصان، هذا مؤشر لا يدعو للتفاؤل نحو قطع أشواط جديدة في المسارات السياسية المطروحة الآن، بات الواجب - بالضرورة - جلوس هؤلاء الفرقاء إلى مائدة واحدة للحوار الوطني.
اللحظات الفاصلة تكون كاشفة للجدية والإرادة السياسية والنيات الحسنة. دون ذلك فإننا أشبه بمن يدور في حلقة مفرغة، لا ندعم أنفسنا ونطالب بدعم الآخرين، لا أحد يستطيع اتخاذ قرارات بالنيابة عن إرادة الليبيين، الأمم المتحدة قالتها صراحة، لن يكون هناك حسم للقضية دون وصول الليبيين - أنفسهم - إلى تحديد أولوياتهم، الجدية هنا قرار ليبي. جميع مؤسسات العالم لم تتوانَ في تقديم أشكال الدعم، من أجل تذليل الخلافات.
الدول العربية، ودول الجوار، والإقليم والدول الأوروبية، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، جميعها قدمت جميع أشكال الدعم إلى ليبيا، ربما تتباين مصالح هذه المؤسسات، لكن النتائج، إذا ما قُرئت بدقة، فإنها تصب في الصالح العام الليبي، التاريخ يخشى صداقة مَن يكرر الأخطاء، المعارك لا تنصف أصحاب الأنانية السياسية، الأمم تبنيها أرصدة الوطنية في بنوك صناعة المصير. ليبيا لا تستحق كل هذه المراوغة. دولة لها تاريخ وأيادٍ بيضاء على الجميع، تعافيها رسالة أمان عابرة، وقرار لا بد أن يسمو فوق خلافات الفرقاء الليبيين.
لم تبتعد كثيراً عن المطب السابق، تلك الأزمة التي يحاول البعض تغذيتها لإثارة البلبلة داخل الشارع الليبي، وهي التي تتعلق بالقاعدة الدستورية التي ينبغي أن تُجرى الانتخابات الرئاسية على أساسها، فالبعض يريد الترويج لضرورة إجراء استفتاء على الدستور قبل الانتخابات، والبعض الآخر يرى إجراء الانتخابات أولاً، والاستفتاء ثانياً.
ما بين الرؤيتين يزداد الموقف تعقيداً، دائرة الجدل تزداد، بينما القضايا الرئيسية، التي يتوقف عليها المستقبل الليبي لم تعد على طاولة النقاش السياسي بين الليبيين. وباتت ملفات إخراج المرتزقة والميليشيات، وإعادة الخدمات للمدن الليبية، والقضاء على الفساد، ليست أولوية.
الوقت سياف، هناك مَن له مصلحة في إضاعة واستهلاك الوقت، واختلاق أزمات لا طائل منها. البحث عن صورة مكررة من اتفاق الصخيرات، طرح يؤمن به أصحاب المصالح الضيقة، فارق التوقيت هذه المرة ينحاز لمستقبل الدولة الليبية، النسبة الأغلب تؤيد إجراء الانتخابات في موعدها.
الاستحقاق الانتخابي خطوة من شأنها اختصار المسافات، وتقديم نموذج أمام المجتمع الدولي، يؤكد الجدية الليبية في إعادة بناء الدولة.
الواقفون على شاطئ العرقلة السياسية يسبحون ضد التيار، مختبرات صناعة الأزمات تراهن على اندلاع مواجهات عسكرية بنهاية هذا العام، عبر محاولات مثل التي فضحها التسريب الصوتي للقيادي الإخواني معاذ المنفوخ، الذي يطالب بنشر بيانات تحريضية للضغط على المجتمع الليبي بهدف تأجيل الانتخابات.
فشل الحوار السياسي أخيراً في جنيف، إشارة سلبية ونذير خطر، المكون السياسي الليبي إن كانت أطرافه جادة في إزالة ركام الماضي الأليم، لا بد أن يدرك أنه ليست لديه رفاهية الصراعات، اللحظة تتطلب قطع الطريق على مَن يحاول عرقلة خريطة الطريق، عودة صناديق الاقتراع وتحديث سجلات الناخبين، وخروج الناخب الليبي صورة في حد ذاتها تضعنا أمام أمل جديد وجاد لتغيير الأوضاع، وإعادة الاعتبار لشرعية المؤسسات، الليبيون أمام مسؤوليتهم التاريخية، إما عودة الدولة الوطنية، وإما بداية مرحلة جديدة من الصراعات، ربما تزيد من تعقيدات الأوضاع، وتفتح أبواباً جديدة للأطماع الإقليمية والدولية. تنظيم الإخوان الإرهابي لم يخفِ طموحاته المستمرة في تقسيم ليبيا، وفقاً لجدول أعمالهم منذ سقوط نظام القذافي، لم يتركوا فرصة تخريب، يخططون لتكرار سيناريو عام ، لتعود حالة الارتباك من جديد، شواهد ألاعيب الإخوان تقول بذلك، خلافات بعض الأطياف السياسية تخدم فكرة الإخوان حتى وإن اختلفت الحسابات.
ومن، ثم فإن عرقلة مسارات التقدم السياسي بمثابة انتهاك صريح لقرارات مجلس الأمن الدولي، ومؤتمري «برلين 1» و«برلين 2»، فضلاً عن أنها تمثل اعتداء مباشراً على هوية الدولة الليبية الوطنية، وإرادة السواد الأعظم من الشعب، وتفتح الطريق أمام المرتزقة والجماعات الإرهابية لإعادة التموضع من جديد، سيما أنهم يرون أن البقاء في ليبيا يمثل لهم نقطة انطلاق إلى دول الجوار من ناحية، ويستطيعون القيام بأدوارهم الوظيفية لصالح قوى إقليمية أخرى من ناحية ثانية، المتغيرات سريعة ومتلاحقة، الاحتكام لصوت الوفاق لا يقبل القسمة على وجهات النظر.
عودة مؤسسات الدولة الليبية تحتاج إلى إرادة قوية ومخلصة، تستند إلى مخرجات المؤتمرات العربية والدولية بدءاً من إعلان القاهرة مروراً ببرلين، وصولاً إلى إعادة النظر في حوار جنيف، قضايا الوجود أسمى من الصراع على تقسيم المغانم والكراسي، الطريق إلى الرابع من ديسمبر قرار مفصلي في تحديد المصير، أما ما يدور على جانبي الطريق فهو ادعاءات شكلية، المهم الوصول إلى جوهر القرار، الوصول إلى رئيس ليبي منتخب، ومؤسسات وطنية يديرها الشعب الليبي، فقد بلغ السيل الزبى على مدار ما يزيد على عشر سنوات.
لقد بات من غير المقبول، أن تظل السهول الذهبية في ليبيا أسيرة للسحب السياسية السوداء.
حان وقت النهوض.