مينا العريبي
مساعدة رئيس التحرير السابقة، عملت مديرة مكتب «الشرق الأوسط» في واشنطن بين عامي 2009- 2011 وهي الان رئيسة تحرير صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية
TT

عام على مقتل هشام الهاشمي

يا له من عام صعب قد مرَّ على العراق... تحل اليوم الذكرى الأولى لمقتل العراقي الأصيل هشام الهاشمي. هناك تسميات كثيرة تطلق على المرحوم هشام سعياً لشرح أهميته لمن لم يكن يعرفه. البعض يسميه «المحلل» وهو فعلاً كان المحلل الأجدر في دراسة المجموعات المسلحة غير القانونية، آخرون يصفوه بـ«المستشار» إذ كان يقدم المشورة للمسؤولين، بمن فيهم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والعسكريين. ولكن ربما الوصف الأفضل هو الباحث الأكثر خطورة على من يريد أن يطمس الحقيقة في العراق. كان يبحث في خفايا المعلومات حول شبكات المجموعات المسلحة. كان شديد الدقة في شرح ما يحدث في البلاد بصدق وأمانة ومعرفة. وكان الهاشمي قد اختص في مجال دراسة وتحليل المجموعات الإرهابية، وخاصة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، لكنه في السنوات الأخيرة من عمله اهتم بالميليشيات الخارجة عن القانون. شخّص الهاشمي حالة الانفلات لدى المجموعات المسلحة في العراق، بعض منها متحالفة مع مسؤولين يتبوّؤون مناصب رسمية في الدولة وأخرى مدعومة ومتحالفة مع إيران. تجرأ على تشبيه تلك الجماعات بالمجموعات الإرهابية، موضحاً أن إجرام تلك المجموعات لا يقتصر على طائفة دون أخرى.
اغتيل هشام أمام منزله في بغداد مساء 6 يوليو (تموز) 2020. وانتشر تسجيل يظهر لحظة بلحظة الجريمة التي هزت العراق وكل من يهتم بشأنه. هشام قُتل وعمره 47 عاماً، كان له 4 أطفال وعشرات من الشباب كانوا يعتبرونه أباً روحياً لهم. جاءت عملية الاغتيال في وقت كانت الحركة الاحتجاجية في العاصمة وعدد من المحافظات العراقية تتصاعد، ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، وبعد أسابيع قليلة تسمية مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء.
واجه الفاسدون والمتطرفون والطائفيون وعناصر الميليشيات الاحتجاجات بالقتل والتهديد. قُتل صفاء السراي، أحد رموز الانتفاضة في بغداد، في أكتوبر (تشرين الأول) ، وقتل مئات غيره من المتظاهرين. لكن لم يكفّ الشباب العراقي عن حراكه. وكان هشام من أوائل من أيّدوا المحتجين وساندوهم وحاول أن يوصل صوتهم للعالم، موضحاً دور الميليشيات والعصابات في ترهيب الشعب العراقي.
ورغم صعوبة الظروف في بداية 2020، كانت هناك حالة من التفاؤل حول قدرة الحراك الشعبي على إحداث تغيير في العراق. الوعي السياسي لدى الشباب، ورفضهم المساومة على مبدأ المواطنة وحملهم شعار «نريد وطناً» أدى إلى حراك إيجابي في البلاد. جاء بعد ذلك تسمية الكاظمي رئيساً للوزراء، وهو غير إسلامي وغير طائفي، وأصرّ على تشكيل حكومة انخفضت فيها نسبة المحاصصة الطائفية نوعاً ما، ما جعل كثيرين يتفاءلون خيراً، حتى إن كانت حالات الاغتيال تتصاعد والفساد ما زال مستشرياً. إلا أن لحظة التفاؤل المختصرة انطفأت مع اغتيال الهاشمي. كانت الرسالة واضحة؛ من يريد أن يقف بوجه الميليشيات والفساد ويطالب بدولة قوية ذات سيادة سيلاحق بلا مساومة، ولا يوجد من يحميه.
مقتل هشام أطلق شرارة جديدة في «حرب العراق» بين من يريد له أن ينهض ومن يريد له أن يركع. عملية الاغتيال هذه جريمة، ليست فقط بحق مواطن عراقي مسالم ووطني، بل بحق من يريد أن يقول كلمة حق، وأن يدفع ضد الطائفية والميليشيات. كان هشام من أبرز الأصوات التي كسرت حاجز الصمت ضد الميليشيات التي أرادت أن تختبئ وراء عباءة «الحشد الشعبي»، وفعل ذلك من داخل بغداد وباسمه الصريح. أثار صوته المسالم الخوف بين المدججين بالسلاح، فقتلوه.
لقد وعد رئيس الوزراء العراقي الكاظمي بمحاسبة من كان وراء مقتل الهاشمي. ولم يتم اعتقال أي متهم أو توجيه تهمة لأي جهة تتحمل مسؤولية هذه الجريمة حتى الآن. إن عدم محاسبة من قام بمقتل الهاشمي أدى إلى توسيع نفوذ الميليشيات وتصاعد الاغتيالات. ومن بين الذين قُتلوا، الدكتورة رهام يعقوب التي كانت من بين أكثر الناقدين للفساد ولتوسع النفوذ الإيراني في العراق، تم اغتيالها بعد أسابيع من مقتل هشام الهاشمي.
وقد أقال رئيس الوزراء حينها قائد شرطة البصرة وعدداً من مديري الأمن هناك. الإقالات تدل على الاعتراف بالإخفاق، لكن لا تضمن المحاسبة. لم تردع القاتل، ولن تردعه.
في آخر تغريدة له، قبل مقتله بساعات قليلة، كتب هشام الهاشمي التالي:
«تأكدت الانقسامات العراقية بـ:
1. عرف المحاصصة الذي جاء به الاحتلال (شيعة، سنة، كرد، تركمان، أقليات) الذي جوهر العراق في مكونات.
2. الأحزاب المسيطرة (الشيعية، السنية، الكردية، التركمانية)، التي أرادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام.
3. الأحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي».
هذه الانقسامات ما زالت تتحكم في الواقع العراقي، وهي تتنافس اليوم لتضمن استمرارية سيطرتها على الدولة العراقية في انتخابات أكتوبر المقبل.
الانقسام والمحاصصة والتنافس الطائفي هي أعمدة واقع يمنع نهوض العراق ومن يرعاها يخشى من سيادة الدولة والقانون. إن عدم محاسبة من وقف وراء اغتيال الهاشمي يزيد من ضعف الدولة.
عام صعب مرّ على العراق، لكن أفكار الهاشمي وأعماله ما زالت تشكل خريطة طريق للوقوف بوجه من يريد انهيار البلاد.
وتبقى ذكراه لتذكرنا بالطريق الصعب إلى الأمام.