تيلر كوين
TT

أميركا... النسخة المنقحة الجميلة

في الرابع من يوليو (تموز) من العام الجاري، يتعيَّن على أميركا أن تحتفل بتاريخها التنقيحي.
تنبع الوطنية الحقيقية، لا سيما ما يتعلق بالتنوع الأميركي، من استبيان التاريخ الذي ولدنا فيه. ومع اقتراب الرابع من يوليو، علينا جميعاً أن نضع هذا في اعتبارنا عندما نتحقق من بعض أساسيات الرواية الأميركية - ويجب أن نسأل أنفسنا، ليس عما إذا كان لهذه الاعتبارات ما يبررها، وإنما لماذا لا يوجد المزيد منها.
إن التاريخ التنقيحي يخدم أغراضاً مفيدة ومتعددة، ولا بد من تشجيعه في أغلب الأحوال حتى لو تبين أن الكثير من المزاعم التنقيحية كانت خاطئة. إن الحالة الإنسانية الطبيعية هي نوع من الرضا والقبول بالوضع الراهن. وإذا كتب المؤرخون في بعض الأحيان بشكل قاسٍ أو تخميني إلى الحد الذي قد يجعلهم يسترعون انتباه الجمهور، فإن هذا ثمن يستحق أن يُدفع. وعلى أي حال، يميل الجمهور إلى عدم أخذ الأمور بحرفية أو الانتباه عن كثب إلى المزاعم الأكثر تفصيلاً.
كنت مدعواً مؤخراً إلى حفل عشاء مع عدد من خبراء واشنطن المعروفين والمثقفين. ولم يطلع الكثير منهم على مشروع نيويورك تايمز لعام 1619 بأكمله — فما هو قدر الاهتمام الذي ربما يوليه عامة المواطنين الأميركيين؟ وفي الوقت نفسه، يعرف العديد من الناس أن هناك إعادة للنظر في دور العبودية في التاريخ الأميركي، وأن هذا الأمر أصبح قضية في سجالاتنا الثقافية، كما أن بعض الولايات تقوم باستحداث أو تمرير تشريعات لتنظيم كيفية تدريس التاريخ في المدارس.
وأياً كانت وجهات نظركم بشأن القضايا الأساسية، فإن التأثير الإجمالي لمشروع 1619 هو أكثر أهمية من أخطائه، مثل المبالغة في تقدير مدى تمويل العبودية للرأسمالية الأميركية.
قرأت، في مرحلة المراهقة «التفسير الاقتصادي لدستور الولايات المتحدة» من تأليف تشارلز بيرد، إذ قال بيرد إن الدوافع الحقيقية للموافقة على الدستور غالباً ما تكون أنانية، حيث يريد الكثير من المؤيدين التأكد من سداد حيازاتهم من الديون الحكومية. وكما تبين، فإن الفرضية لا تصمد تماماً، وقد تلاشت أهمية هذا الكتاب الذي كان ذا تأثير واضح.
كقارئ شاب، عرفت أن أتناول الكتب بقدر من التشكك. وشجعني السيد بيرد على محاولة فهم المؤسسات بعمق أكبر، والبحث عن الدوافع الخفية، وربما المحفزات الأنانية وراء التحركات السياسية. وبالنسبة لي، فإن كتابه كان سبباً في تبديد الغموض بشأن العديد من الآباء المؤسسين، حتى لو لم يكن ذلك للأسباب الصحيحة على الدوام. وباختصار، كان الكتاب رائعاً بالنسبة لي، ولم أتوقف عن حب الولايات المتحدة أو دستورها.
كما قرأت مجموعة واسعة من الكتب اليسارية التنقيحية التي تتناول السياسة الخارجية للولايات المتحدة بالانتقاد، والتي تتراوح ما بين ويليام أبلمان ويليامز وغابرييل كولكو وحتى ديفيد هوروفيتز. وقد تبين أن الكثير من تلك الكتب خاطئة، وأن بعض التفسيرات الأكثر بساطة لم تكن معقولة أبداً للانطلاق منها. ومع ذلك، فإن ما أخذه جيل كامل من هذه الكتب لم يكن نظرة خاصة إلى سياسة الباب المفتوح أو الدوافع وراء اتفاق يالطا، بل إن السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً الحروب الأميركية، كان لا بد أن تخضع للتشكيك والتساؤلات القاسية.
ومن بين الفوائد الأخرى المترتبة على المناقشات التنقيحية للتاريخ، كان مدى تحولها إلى تحالفات أو تحولات غير اعتيادية في المواقف الآيديولوجية. فقد أصبح ديفيد هورويتز، الذي كان ذات يوم من المنتقدين الماركسيين لرأسمالية الحرب الأميركية، شخصية بارزة من زمرة المحافظين الجدد. ونشأت بعض من أفضل الانتقادات لمشروع 1619 من موقع الاشتراكية العالمية. ومزجها على هذا النحو يشكل إشارة على المناقشات النشطة المطلوبة.
تكمن المشكلة في أن التنقيح ليس متنوعاً بالدرجة الكافية. فثمة قضايا قليلة - معظمها ينشأ من رحم نظرية العرق الحاسمة - تقع في شرك السجالات الثقافية وتخضع للنقاش قبل كل القضايا الأخرى. وأنا أوافق على ضرورة تكريس المزيد من الوقت والاهتمام لتاريخ أميركا المشين من العبودية والعلاقات العرقية، وقد أدرجت ذلك في منهجي التعليمي الخاص.
ومع ذلك، هناك إهمال واضح للمسائل الأخرى. أما المسار الأطول للسياسة الخارجية الأميركية فلا يجد من يناقشه بجدية، أو ما ينبغي أن يعنيه ذلك التاريخ بالنسبة للقرارات الحالية. وهناك الكثير من الحديث عن «الدولة العميقة»، ولكن التاريخ الفعلي قد سقط في هوة الذاكرة، بما في ذلك تاريخ وكالات الاستخبارات الأميركية.
الأمر يزداد سوءاً بمرور الوقت. ووفقاً لأحد الاستطلاعات الأخيرة، فإن نسبة 63 في المائة من المواطنين الأميركيين لا يدركون أن ستة ملايين يهودي قتلوا في المحرقة. وعشرة في المائة منهم لم يسمعوا عن المحرقة من الأساس. أو دعونا ننظر إلى معاملة الأميركيين الأصليين، التي كانت مروعة ولم تنتج إلا القليل من الأبطال. ورغم هذا فإن بحث أميركا عن الذات في خضم هذا التاريخ يبدو ضئيلاً للغاية.
إن أميركا في حاجة إلى التنقيح، وربما المزيد منه، فيما يتعلق بمواضيع مثيرة للجدال في الوقت المناسب. ولكنها تحتاج أيضاً إلى تفسيرات أقل تسييساً وأكثر تنوعاً فكرياً لتاريخها. في الرابع من يوليو من هذا العام، لا تحتاج أميركا إلى الترويج لمزاعم معينة عن النفاق التاريخي، بل تحتاج إلى رفع المستوى التاريخي ذاته.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»