طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

العقلاء بلا حاضنة!

مما تعلمته بهذه الصنعة أن العقلاء بحاجة إلى حاضنة. وعندما أقول العقلاء فليس المقصود السعوديين وحسب، بل والعرب، وكل مهتم بقضايانا ومنطقتنا، وهذا لا يتم بعمل فردي، وإنما تحت ظل المؤسسات.
مثلاً، مراكز الدراسات، ولدينا في السعودية نقص حاد بذلك، وكذلك من خلال المؤسسات الإعلامية، وقد يقول قائل بأن دور المؤسسات الصحافية يتلاشى، وهذا القول عبث.
في الغرب، مثلاً، كل ما ظهر من أنشطة إعلامية جديدة؛ وسائل التواصل وغيرها، هو نتاج عمل مؤسساتي. «تويتر»، واتساب، «فيسبوك»، يوتيوب، نتفليكس، وغيرها، مؤسسات تغولت على مؤسسات. هي معركة مؤسسات ضحيتها أفراد ومؤسسات.
وهذا ما تنبهت له أوروبا، وغيرها، وأبسط مثال لذلك المعركة مع «غوغل» على الحقوق والإعلانات، وقبل يومين نشرت «الشرق الأوسط» مقالاً مهماً للكاتب أليكس ويب بعنوان: «أوروبا تضرب «غوغل» أخيراً»!
يقول ويب: «أعلنت المفوضية الأوروبية، يوم الثلاثاء، فتح تحقيق رسمي بشأن ممارسات الشركة العملاقة المسؤولة عن محرك البحث (غوغل) فيما يتعلق بالإعلانات على شبكة الإنترنت. ويعدّ هذا التحقيق الأهم بعد سنوات من التحقيقات المتعلقة بمكافحة الاحتكار».
وبالتالي فنحن أمام معركة مؤسسات، ولا بد أن يتم تصحيح الأوضاع عاجلاً أو آجلاً، مؤسساتياً.
في السعودية، مثلاً، التصحيح يتم أولاً من خلال إعلاء قيمة حقوق الملكية الفكرية. وانطلقت السعودية بذلك، ولو لي من الأمر شيء لجعلت سلطتها التنفيذية بيد مكافحة الفساد، وكما تفعل «إف بي آي» لحماية حقوق الملكية الفكرية بأميركا.
ضمان التنفيذ الصارم لحماية حقوق الملكية الفكرية يحمي الاقتصاد، ومن ضمنه الإبداع، والإعلام أحد أهم منتجات الإبداع، ويحتاج لحماية صارمة لكي يحتضن ويحمي العقلاء مؤسساتياً.
وللأسف فإن العقلاء بغربة منذ عرفت منطقتنا إعلام أحمد سعيد، وهيكل، ثم «إعلام بعث» صدام حسين، الذين سماهم الصحافي رضا هلال، رحمه الله، «أيتام صدام»، بعدها مرحلة قناة «الجزيرة»، وهنا أفتح قوساً بامتداد خط الحرير.
ثم شهدنا «إعلام الفوضى الخلاقة» برعاية أميركية، تلاه إعلام إيران في منطقتنا، وبعد تجربة «حزب الله»، إلى أن وصلنا في بعض المراحل إلى أن لكل «جماعة» بمنطقتنا راية ومحطة تلفزيونية، واليوم لدينا المعرفات الإلكترونية.
وفي كل تلك المراحل كان الخاسر الأكبر العقلاء، ومن الأمس إلى اليوم، ما عدا المحطات المميزة لصحيفة «الشرق الأوسط»، ثم قناة «إم بي سي»، إلا أننا اليوم بأمس الحاجة لحواضن أكثر للعقلاء العرب، والغربيين، والإيرانيين، وغيرهم لنخلق لنا أصدقاء عقلاء.
نحن بحاجة للعقلاء لأن المعركة كلها في الإعلام، وكل جهد ثقافي فكرياً كان أو فنياً، مقروءاً أو مسموعاً، وخلافه، وبكل أنواعه الجديد والقديم، مطلوب الآن، ويجب دعمه.
وإذا كان البعض يصر على ترديد عبارة «انتهاء المؤسسات الصحافية»، فلنبدأ بدعم مؤلفي الكتب على الأقل!
ولذا فنحن بحاجة اليوم لاحتضان العقلاء من خلال مظلات مؤسساتية تجمع العقلاء، المؤمنين بالاستقرار، وحقن الدماء، ورفض التدخلات الخارجية، والطائفية. علينا أن نولي الجادين اهتماماً لأن العقلاء بغربة، والعمل الحركي المخرب على قدم وساق.
وكما ختم أليكس ويب مقاله عن «غوغل» بالقول: «فلتبدأ المعركة إذن»... نقول فلتبدأ معركة احتضان العقلاء إذن.