تيلر كوين
TT

نزع الكمامات... من يبدأ الخطوة الأولى؟!

قررت، حكومة ولاية فيرجينيا الأميركية التي أسكن فيها، خلال الشهر الماضي رفع التعليمات المعنية بضرورة ارتداء الكمامات الواقية، بالنسبة للأشخاص الذين حصلوا على جرعتي اللقاح، والذين يخضعون لبعض الاعتبارات المؤهلة لذلك. ولقد نفذت الجامعة التي أعمل فيها تلك التعليمات سواءً بسواء.
وفي الأثناء ذاتها، واصلت المتاجر، والمحلات، والمطاعم، التي كنت وما زلت أتردد عليها، الالتزام بالتعليمات الأولى من دون تغيير أو انقطاع، حتى بات الأمر يشكل معضلة لدى أنصار الليبرالية الذين كانوا قد عارضوا تعليمات ارتداء الكمامات الواقية في المقام الأول واعتبروها أداة من أدوات الإكراه والقسر الحكومي، وطرحوا التساؤل المهم التالي: لماذا تعتمد الحكومات البيروقراطية، المتسمة في أغلب أحيانها بالبطء الشديد في الفعل ورد الفعل مع الحيطة وتجنب المجازفة، سياسات أقل حذراً من القطاع الخاص في البلاد؟
يتطلب هذا اللغز العميق المزيد من الفحص والبحث والتمحيص.
وإن كان هناك أي جزء من القطاع الخاص قد اتجه إلى وقف التعامل بالكمامات الواقية إلى درجة كبيرة، فهو المطاعم. وفي المعتاد، نجد علامات إرشادية على أبواب المطاعم تطالب الزوار بارتداء الكمامات الواقية، لكن مع استثناءات للأشخاص الذين يتناولون الطعام والشراب في الداخل. وربما يكون الأمر مقبولاً بدرجة ما، نظراً لأنها مطاعم، يذهب الناس إليها لتناول المأكولات واحتساء المشروبات. ومن المرجح للعملاء الآن أن يطلبوا مشروباً يأخذونه على الفور وينصرفون، حتى وإن كان ذلك مسوّغاً لنزع الكمامة الواقية لبرهة من الوقت. وتظل الكمامات مرفوعة طوال مدة تناول الوجبة داخل المطعم. وحتى بعد أن ينتهي الجميع من تناول الطعام، تبقى الكمامات الواقية بعيدة عن الوجوه، مع استمرار الأحاديث والمسامرات. ويتجه أغلب الناس إلى وضع الكمامات الواقية مرة أخرى أثناء مغادرة المطعم - في صورة غير منطقية على الإطلاق من السلوكيات في خضم الأزمة الراهنة.
عاد عدد من المطاعم الأميركية في الآونة الأخيرة إلى مستويات نشاطها المعتاد قبل انتشار الوباء. ومن ثم، لا نلحظ أي انزعاج لدى عملاء المطاعم من الترتيبات الجديدة المشار إليها، كما لم ألحظ أي مقالات غاضبة أو تغريدات ساخطة بشأن الأمر من هنا أو من هناك. بدلاً من ذلك، يبدو أن هناك حالة من الارتياح الكامل لفكرة المطاعم الخالية من الكمامات الواقية بصورة أساسية لدى أغلب الناس. ونظراً لأن نسبة لا تتجاوز 40 في المائة من المواطنين الأميركيين قد حصلوا على التطعيمات الكاملة حتى الآن، فمن شبه المؤكد أن المطعم العادي المزدحم بالرواد يضم بين جنباته عدداً من الأشخاص غير الحاصلين على التطعيم حتى الآن.
لا أرى أن مركز التسوق المحلي، ومتجر الأجهزة، والسوبر ماركت الذي أتعامل معه يتبعون نفس السياسات المتراخية فيما يتعلق بالكمامات الواقية، حتى رغم أن الموظفين والعملاء في هذه الأماكن ربما يتحدثون بصورة أقل ويدفعون كميات أقل من الهواء في كافة أنحاء الغرفة التي يعملون فيها. ويبدو أن تعليمات الالتزام بالكمامات الواقية هي أكثر أهمية عندهم، ما لم تذهب إلى المطاعم أو المقاهي الموجودة داخل تلك الأماكن بكل تأكيد.
يمكن لنا توصيف طبيعة التناقض على النحو التالي: يرغب الكثير من المواطنين بطبيعة الحال في الالتزام بأدنى درجات الحيطة والحذر. غير أن الجميع مترددون في من يتحرك أولاً. وينسحب نفس المنطق على الشركات كما ينسحب على الأفراد سواء بسواء. ومنذ أن تلقيت جرعتي اللقاح كاملتين، تمكنت من تبادل عدد من المصافحات والعناق في الفترة السابقة، ولكن بعد أن اتخذ الشخص المقابل زمام المبادرة أولاً.
تعتبر شركات البيع بالتجزئة عالقة في نوع من أنواع التوازن بالغ الصلابة؛ إذ ربما ترغب الكثير من تلك الشركات اعتماد ممارسات ارتداء الكمامات الواقية أسوة بالمطاعم بحكم الأمر الواقع، غير أنهم يخشون من اتخاذ خطوة التحرك الأولى، خشية التعرض لاتهامات اللامبالاة وعدم الاعتداد بمسؤولياتها الاجتماعية. ومن ثم، فإن التعليمات الخاصة بارتداء الكمامات ما تزال مستمرة. ومع ذلك، إن كانت هناك ذريعة جيدة للفرار من الالتزام بالتعليمات - من حيث بيع الأطعمة والأشربة - فسوف تتوقف الضغوط تماماً للقيام بأي إنفاذ حقيقي للتعليمات.
وعلى العكس من ذلك، فهناك العديد من الحكومات غير المعنية بردود فعل المستهلكين؛ إذ يتعين على الناس سداد المستحقات الضريبية بصرف النظر تماماً عن كل شيء، وليست كافة المناصب المنتخبة في الحكومة محل نزاع حاد بين الجميع. ولكن هناك أمراً آخر يجري في الأجواء: أعتقد أننا جميعاً - سواء للأفضل أم للأسوأ – نرغب في وجود شخصية ما تقود الأوضاع الراهنة إلى حالة من التوازن الجديد مع الإقلال من ارتداء الكمامات الواقية. ومن حسن الحظ، أن بعض حكومات الولايات تأخذ تلك المسؤوليات على محمل الجدية.
بطبيعة الحال، تشير هذه الحجج المطروحة إلى أن الحكومة قد قامت بعمل جيد للغاية من حيث التشجيع على والمطالبة بارتداء الكمامات الواقية منذ البداية، وبمجرد إدراكها للفائدة المرجوة من ارتداء الكمامات على أقل تقدير. ومع ربيع عام 2020. أراد العديد من الناس ارتداء الكمامات الواقية، غير أنهم كانوا يخشون من أن يوحي ذلك إلى إصابتهم بفيروس (كورونا المستجد). وفي ذلك الوقت، قضت التعليمات الصادرة حكومياً بهذا الشأن على تلك المخاوف تماماً، وساعدت في استحداث حالة جديدة وأكثر حذراً من التوازن الاجتماعي العام.
وفي ملاحظة ذات صلة: هل لاحظتم أن الجامعات الخاصة تحظى في أغلب الأحيان بثقافة توعوية قوية، مع قدر أقل من حرية التعبير من الجامعات العامة؟ تمثل هذه الحقيقة الواقعة مصدراً للإحراج لدى الكثير من أنصار الليبرالية. ورغم ميولي النازعة إلى التحرر، فإنني مسرور بالتدريس في مؤسسة جامعية عامة، مع حماية أكبر من الناحية القانونية ومعايير أوفر من زاوية حرية التعبير.