روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

لم يبقَ سوى قليل من الوقت أمام اتفاق إدلب

ربما يساور بعض القراء الشعور ذاته الذي يخالجني عندما أشاهد فيلماً مرعباً، ذلك أنك تشعر بأن ثمة شيئاً مروعاً سيحدث وتتملكك الرغبة في الصراخ وتحذير الشخصية بألا تفتح الباب أو أن تتخذ إجراءً طارئاً قبل فوات الأوان. إلا أنه بطبيعة الحال يبقى مجرد فيلم رعب ومن الطبيعي أن يشن القاتل أو الوحش خلاله هجوماً ضد آخرين.
الحقيقة أن هذا بالضبط شعوري تجاه وضع المساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا وإدلب. جدير بالذكر هنا، أن قرار الأمم المتحدة الذي يسمح للقائمين على العمليات الإنسانية بإرسال مساعدات من تركيا عبر الحدود السورية عند باب الهوى إلى داخل إدلب، من المقرر أن تنتهي فترة سريانه في الـ10 من يوليو (تموز).
وأفاد تقرير صدر عن الأمم المتحدة، في وقت سابق من الشهر الجاري، بأن ما يقرب من 1.000 شاحنة تحمل إمدادات إنسانية تمر عبر باب الهوى شهرياً، توفر العون إلى 3.4 مليون مدني سوري في حاجة ماسة للمساعدة. ومثلما الحال في أفلام الرعب، حذرت الحكومة الروسية علانية أنها ستستخدم حق النقض (الفيتو) لإعاقة أي تمديد آخر لهذا الترتيب. والتساؤل هنا: هل لدى واشنطن وأصدقائها الأوروبيين خطة لمنع الكارثة التي ستبدأ في 11 يوليو؟
من جهته، قال الرئيس بايدن ومستشاروه إنهم سيناقشون مشكلة المساعدات الإنسانية السورية مع الرئيس بوتين في جنيف في 16 يونيو (حزيران). وقد شعرت ببعض التوتر عندما خلط بايدن خلال مؤتمره الصحافي في 14 يونيو بين سوريا وليبيا ثلاث مرات، لكن قلقي كان أكبر عندما اطلعت على قائمة مستشاري بايدن الذين رافقوه في اجتماعه مع بوتين. في الواقع، جميعهم كانوا شخصيات صالحة وذكية، لكن ليس من بينهم خبراء في الشأن السوري والمساعدات الإنسانية. على النقيض، ضم بوتين للوفد المرافق له مبعوثه الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف. وعليه، كان باستطاعة الروس مناقشة تفاصيل بخصوص سوريا لم يكن باستطاعة الجانب الأميركي تناولها.
والواضح أن الجانب الأميركي دخل الاجتماع بفكرة أنه إذا أخبرنا الروس أن تمديد أجل المساعدات الإنسانية عبر الحدود أمر مهم لواشنطن، فإنهم سيوافقون. وبعد القمة، أخبر بايدن وسائل الإعلام الأميركية أنه ناقش مع بوتين «ممرات المساعدات الإنسانية»، لكن في واقع الأمر فإن «ممرات المساعدات الإنسانية» تختلف عن «العمليات الإنسانية عبر الحدود»، ذلك أن الممرات يمكن أن تشير إلى طرق المساعدات الإنسانية النابعة من داخل مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وليس تركيا.
المعروف أن الحكومة السورية تعوق المساعدات الصادرة من أراضيها إلى إدلب. وعليه، فإن مثل هذا من الممر الإنساني لن يتمكن من إنقاذ الـ3.4 مليون مدني سوري. بعد ذلك، أشارت وكالة «رويترز» إلى أن روسيا في الواقع لم تتعهد بالسماح بتمديد عملية المساعدات عبر الحدود. وبذلك، استمر فيلم الرعب.
لقد كتبت من قبل عن كيف أن واشنطن لا يبدو أنها تستوعب سوريا وديناميكيات الحرب هناك. ومن بين أكبر الأخطاء التي اقترفتها واشنطن مبالغتها في تقدير نفوذها السياسي والعسكري. على سبيل المثال، قبل قمة 16 يونيو، قال مسؤول أميركي إن بايدن سيخبر بوتين أنه إذا أعاقت موسكو تمديد المساعدات العابرة للحدود، فإن الأميركيين لن يتعاونوا مع موسكو بخصوص الملف السوري.
وقال محللون أميركيون آخرون في واشنطن إنه يجب على أميركا توضيح أن العمليات عبر الحدود تشكل أولوية للجانب الأميركي، بل وزارت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، الحدود مع إدلب منذ ثلاثة أسابيع لإظهار القلق الأميركي إزاء هذا الأمر.
الحقيقة أنه من وجهة نظر بوتين، فإن واشنطن الآن لا تتعاون بخصوص سوريا، ولا تساعد في إرساء استقرار الحكومة السورية وتعوق إعادة إعمار سوريا. وبدلاً عن ذلك، تخلق العقوبات الأميركية صعوبات أمام دمشق. وإذا رغبت واشنطن في مساعدة بوتين لها، فإنها يجب أن تدفع ثمناً مقابل ذلك.
ولأن موسكو تعرف من بايدن أن قضية المساعدات هذه مهمة للغاية لواشنطن، ارتفع السعر الذي تطلبه موسكو.
من جهته، اقترح المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في أبريل (نيسان) أن تتبرع واشنطن بمزيد من المساعدات الإنسانية لعملية الأمم المتحدة داخل دمشق مقابل موافقة روسيا على تمديد عملية نقل المساعدات عبر الحدود لعام آخر. وبعد ذلك، بداية من صيف 2022 ستصبح جميع المساعدات الإنسانية تحت سيطرة حكومة الأسد.
من جانبهم، يعتقد محللون آخرون أن بوتين ربما يقبل تمديد المساعدات عبر الحدود مقابل تقليص العقوبات الأميركية. في الوقت ذاته، أفاد تقرير إعلامي كردي بأن بايدن سيسمح لشركات النفط الروسية بالحصول على عمليات تخص شركة نفط أميركية في منطقة الحكم الذاتي بشمال شرقي سوريا.
وتحمل جميع هذه الأفكار إيجابيات وسلبيات. وقد اقترحت من جانبي عبر وسائل إعلام أميركية في يناير (كانون الثاني) أن تستعد الحكومة الأميركية لاستبدال العملية التي تقودها الأمم المتحدة، وأن تتولى قيادة عملية دولية جديدة للمساعدات عابرة للحدود بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين والأتراك.
أما اليوم، فلم يعد هناك وقت كافٍ للاستعداد، وفي كل الأحوال تنطوي هذه الفكرة هي الأخرى على مشكلات كبيرة. وعلى خلاف أفلام الرعب التي تنتجها هوليوود، فإنه لا يوجد حل واضح لهذه الأزمة والوقت المتاح قصير. وعليه، فإن أفضل ما يمكن لإدارة بايدن فعله أن تضع أهدافها في سوريا على رأس أولوياتها، ويجب كذلك أن تجعل مسألة إنقاذ المدنيين أولوية أمامها.