فاي فلام
TT

هل تسرب فيروس «كوفيد» من مختبر؟

إذا كانت هناك حقاً فضيحة كشفتها رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بأنتوني فاوتشي، التي تم نشرها مؤخراً بعد طلب من جانب صحافيين استناداً إلى قانون حرية تداول المعلومات، فهي حيرة العلماء بشكل كبير بشأن بداية ومنشأ ظهور الوباء. لم يعرف العلماء ما يفعلونه حيال الوباء، ولا متى أو كيف يتم استخدام الأقنعة الطبية الواقية، أو من أين جاء ذلك الوباء.
نظر كل من مؤيدي التيار المحافظ، وكذا الليبرالي، على حد سواء، إلى تلك الرسائل بشكل مختلف، فالبعض رأى أن فاوتشي قد أخفى معلومات مهمة عن العالم، في حين رأى البعض الآخر أنه كان رجلاً لطيفاً عمل بجد، وكان لديه وقت للرد على تلك الرسائل. من يقول إن فاوتشي «كان يعلم منذ البداية» عن احتمال وجود مصدر الفيروس في مختبر ووهان، وهو زعم لا يوجد بعد ما يثبت أو ينفي صحته، حسب ما جاء في إحدى الرسائل الإلكترونية الواردة من كريستيان أندرسن، عالم الأحياء في معهد «سكريبز ريسيرش»، الذي كتب لفاوتشي في يناير (كانون الثاني) 2020 موضحاً أن المعلومات الوراثية داخل الفيروس تبدو «غير متسقة مع التوقعات القائمة على نظرية التطور»، وأنه «على المرء النظر عن كثب إلى كل التسلسلات الوراثية لإدراك أن بعض السمات تبدو مهندسة ومختلقة».
ما يوجد أمامنا حالياً ليس استنتاجاً علمياً، لكنه رأي أولي لخبير واحد؛ وربما يكون إلقاء الاتهامات جزافاً استناداً إلى تلك الرسالة تصرفاً غير مسؤول. كذلك أوضح أندرسن في ورقة علمية تم نشرها في دورية «نيتشر» خلال شهر مارس (آذار) 2020 أن التسلسلات المجينية (الجينوم) تشير إلى مصدر طبيعي. لذا لا ينبغي اعتبار الرسالة الأولى أو الورقة العلمية التالية كلمة نهائية في هذا الأمر.
وحتى في اللحظة الراهنة لم يصل المحلفون إلى رأي بشأن أصل ومصدر الوباء، وما إذا «جين» الفيروس يحمل إجابة أم لا. وقد تناقشت في هذا الأمر خلال الأسبوع الماضي مع ديفيد ساندرز، اختصاصي الفيروسات في جامعة «بيردو»، وهو باحث أجريت مقابلة معه قبل انتشار الوباء بشأن علم الفيروسات، وكذا عن عمله الخاص بالتطور. وقد سألته عن المزاعم بوجود تلاعب وتدخل غير طبيعي كما جاء في مقال للباحث يوري ديغين على موقع «ميديوم»؛ وجاء لاحقاً في قالب أكثر إيجازاً في مقال لنيكولاس ويد، الكاتب العلمي السابق لدى صحيفة «نيويورك تايمز» على الموقع نفسه. وتشير واحدة من المزاعم المطروحة الرئيسية إلى وجود سمة خاصة تميز فيروس «سارس - كوفيد - 2» عن الفيروس الأقرب له، وهو ما يطلق عليه موقع انقسام فيورين، الذي يسمح للفيروس باختطاف بروتين موجود في خلايانا يسمى «فيورين» لينشط نفسه؛ وقد وجدت فيروسات أخرى طرقاً أخرى للقيام بالأمر نفسه.
وقد أوضح ساندرز لي ذلك الطرح، وأخبرني أنه لا يزال يعتقد أن تلك السمات قد يكون منشأها التطور. قد تبدو نتائج التطور غير مرجحة في بعض الأحيان؛ وكما يتساءل مؤيدو نظرية الخلق كثيراً: ما هي احتمالات أن ينتج التطور معجزة مثل العين؟ مع ذلك يؤكد الإجماع العلمي حدوث ذلك بالفعل.
ويقول ساندرز إنه بالطريقة ذاتها قد ينتج التطور واحداً من بعض التكوينات من المورثات التي تكون بدورها فيروس «كورونا» الذي يتسم بشدة العدوى وسرعة الانتقال بين البشر. كذلك ربما يكون التطور قد أنتج الكثير من الفيروسات التي لا تتسم بذلك، ولم تتسبب في حدوث أوبئة على مستوى العالم.
في الوقت ذاته هناك اهتمام متزايد بحقيقة عدم وجود سيناريو مقبول بشأن وجود مصدر طبيعي للمرض أيضاً، حيث يشبه الفيروس فيروسات أخرى لـ«كورونا» مصدرها خفافيش حدوة الفرس، وتلك الخفافيش لا تعيش في إقليم ووهان. مع ذلك تم تخزين مجموعات من تلك الفيروسات في معهد ووهان لعلوم الفيروسات. لذا ربما يكون قد تم تعديل الفيروس بطريقة صناعية في إطار تجارب تتعلق بعلم الفيروسات تتم في ذلك المعهد، أو ربما يكون فيروساً طبيعياً تم جمعه وتخزينه داخل المنشأة.
ما زلنا لا نعلم شيئاً. ما توضحه رسائل البريد الإلكتروني هو أن فاوتشي لم يكن يعلم أكثر مما نعلم نحن. وإذا كان فاوتشي مديناً للعامة بتفسير لأي شيء، فهو السبب الذي جعله يوافق على تمويل بحث من المحتمل أن يكون قد جعل الفيروسات أكثر خطورة.
رغم اعتبار الصحافة فاوتشي بشكل غير رسمي «كبير الخبراء في الأمراض المعدية» في أميركا، فإن وظيفته الفعلية هي مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية؛ وبموجب هذه الصفة لا يمكن أن يصبح فوق النقد. لقد وافق على تمويل مشروعات خاصة بفيروسات رأى علماء آخرون أنها تتضمن قدراً كبيراً من المخاطرة بالنظر إلى منافعها المحتملة. ومن بين تلك المشروعات مشروعات عديدة يصفها ريتشارد إيبرايت، عالم الأحياء في جامعة روتغرز، بـ«المثيرة للقلق»، حيث استهدفت تعديل فيروسات الإنفلونزا، بحيث تنتقل بين معيلين مختلفين على سبيل المثال، إضافة إلى بحث خاص بتعديل فيروسات «كورونا» المنتقلة من الخفافيش، الذي تم في إطار التعاون بين باحثين أميركيين وباحثين في الصين. لقد ظل إيبرايت يحذر الناس لسنوات من ذلك النوع من الأبحاث قبل ظهور الوباء وانتشاره بفترة طويلة.
ورغم تقبل النظرية، التي تقول بتسرب الفيروس من المختبر، بدرجة أكبر من جانب تيار اليمين السياسي، يقول إيبرايت إن الصقور من الحزب الجمهوري خلال فترة حكم جورج بوش الابن، وديك تشيني، هم من دفعوا معاهد الصحة الوطنية إلى تمويل ذلك النوع من الأبحاث التي قد تكون لها تطبيقات في مجال الصحة، وكذا في مجال الأسلحة البيولوجية، أو قد يتم النظر إليها كأسلحة دفاعية ضد أي هجوم بيولوجي. وقد حذر أكاديميون من تيار اليسار مما يمثله هذا العمل من تهديد لسلامتنا باسم تحسينها.
على الجانب الآخر، يبرر بعض العلماء وجود تلك المشروعات بحجة أنها طريقة للتقدم على العدو، سواء كانت حكومة لدولة معادية، أو العالم الطبيعي. وحتى إذا لم يحدث هذا الوباء نتيجة إجراء ذلك النوع من الأبحاث، لم تقدم تلك المحاولات الكثير لمساعدتنا. وكما توضح تلك الرسائل، نحن كنا دوماً متأخرين بخطوات كثيرة.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»