مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

اتحادات ناجحة وأخرى فاشلة

دفع نداء الوحدة بالعرب إلى كثير من تجارب الاتحاد بينهم، فنشأت عام 1945 جامعة الدول العربية كهيئة دائمة يلتقي فيها حكام وقادة العرب للتشاور، ثم نشأت اتحادات أخرى، تضم كل منها دولتين أو أكثر، ابتداء من أوائل الخمسينات في القرن العشرين إلى أوائل القرن الواحد والعشرين، وكلها للأسف كانت فاشلة ينطبق عليها مقولة (العدد بالليمون)، ما عدا واحدتين؛ الأولى عندما توحدت طرابلس الغرب وبرقه وفزّان باسم المملكة الليبية المتحدة عام 1951، في عهد الملك إدريس السنوسي، والثانية عندما توحدت إمارات الساحل الخليجي تحت اسم الإمارات العربية المتحدة.
وبهذه المناسبة؛ قد أهداني الأستاذ لطفي فؤاد نعمان كتاباً عن تاريخ اليمن في عهد الإمام أحمد الذي ما أن سمع عن اتحاد الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا، وفي نفس الوقت 1958 قيام الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن، حتى تحمس وأراد أن يدخل اليمن في أحدهما، فسأل (عرّاف) القصر أيهما أرجح، فقال له العرّاف؛ إن نجم جمال عبد الناصر يعلو على كل النجوم، لهذا أرسل للرئيس جمال البرقية التالية: بالله لا تنفضوا قبل أن تضمونا إليكم، وأرسلت (الولد) البدر - على حد تعبيره - إلى القاهرة يحمل بقية التفاصيل.
وقرأ عبد الناصر البرقية ثم ناولها لشكري القوتلي، فقال شكري: خير، خير ضمه إلينا. وتحدث القوتلي في ذلك الوقت قائلاً: إنه بصرف النظر عن مسائل النجوم والعرافين، فإنه يرى قبول عرض الإمام للأسباب التالية...
أولاً؛ أنها خطوة وحدوية لا يجب التردد فيها، ثانياً؛ أنها ستفتح طريقاً للحضارة حتى تدخل اليمن، وثالثاً؛ أنها تخفف من الضغط على العناصر الوطنية في اليمن.
وفشلت الوحدتان فشلاً ذريعاً، حين انهارت الوحدة الهاشمية في نفس السنة عندما قام انقلاب عبد الكريم قاسم، وانهارت الجمهورية العربية المتحدة عام 1961 بسبب أن عبد الناصر بعث صديقه المشير عبد الحكيم عامر ليكون الحاكم الآمر الناهي وحده على سوريا، من هنا حصل الانفصال، وكان أول من ندم على مساهمته في هذه الوحدة الفاشلة هو شكري القوتلي نفسه.
وبما أن الإمام أحمد يقرض الشعر، فقد قال في هذا الصدد قصيدة هجائية، أقتطع لكم بعضاً من أبياتها التي يقول فيها:

ما لي أراكم تملؤون الأرضا قولاً يفيض حسداً وبغضا
وتفعمون الجو بالشتائم وتصفعون جبهة المكارم
وتصرخون من فم المذياع بكل صوت ناشز الإيقاع
نسيتمُ عدونا المشتركا وصرتمُ بعضاً لبعض شركا
شننتمُ الحروب فيما بينكم ودستم العهد الذي يصونكم