حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حروب جديدة!

الفنان السينمائي الهندي الأسطوري أميتاب باتشان، كان في أحد أفلامه يحمل مسدساً من نوع موريس، الذي يستوعب ثماني طلقات، وكان بقدرة خارقة يطلق منه ما لا يقل عن مائة وخمسين طلقة، وبعد «نفاد» الرصاص من المسدس يقوم أميتاب باتشان بالطيران مسافة نحو ثلاثمائة متر في الهواء ليسقط أحد الأشخاص من فوق حصانه ويقوم بخطف بندقيته ذات الماسورتين، فيطلق منها مائة وعشرين رصاصة تنجح مائة وتسع عشرة منها في قتل الأشرار، وبعدها يصل إلى زعيم العصابة في وقت نفاد ذخيرته ويقرران التعارك بالأيدي، وأثناء المعركة العنيفة يلحظ باتشان وجود وشم على ذراع خصمه، فيظهر عليه الذهول ليعرف بعد ثوانٍ أن هذا الشخص ما هو إلا شقيقه الذي سقط في أحد الشلالات منذ خمسة وعشرين عاماً، واعتقدت عائلته بأنه مات وقُضي عليه، ولكن في الحقيقة أنقذه أحد الصيادين الموجودين هناك وقتها. وكان المطلوب منا أن نصدق وأن نستمتع بكل هذا.
كنا جيلاً بسيطاً لا نفرق بين الترفيه والاستغفال. وهو الجيل نفسه، الذي بالمناسبة كان يشاهد بذهول ولسان يكاد يتدلى، الشخصية الكرتونية الشهيرة المعروفة باسم كابتن ماجد، وهو يحلق طائراً لثوانٍ طويلة جداً في طريقه لتسديد كرة قدم في مشهد يضاهي الهبوط على سطح القمر في إثارته.
ولكن السياسة هذه الأيام باتت منافساً شديداً لوسائل الترفيه في جذب المتابعين والمشاهدين، ولعل أبلغ وأظرف وصف لها هو الذي قاله عنها أحد الفنانين الكوميديين العرب الكبار، وهو يصف أسباب عزوف الحضور الجماهيري عن المسرح بصورة عامة فقال «أصدقائي لم يعودوا يهتمون بحضور المسرح، فهم باتوا يحجزون مقاعد مميزة في مواقع الجمهور لحضور جلسات مجلس النواب؛ لأنها مسلية ومضحكة أكثر».
ولكن هناك شيئاً جدياً للغاية يحدث في عالم السياسة وهي الحروب الجديدة. وهي حروب مختلفة تماماً عن سابقاتها التقليدية. والحروب الجديدة ستكون على جبهتين رئيسيتين تحديداً، هما: صحة الإنسان والأمن السيبراني، وملامحهما آخذة في الوضوح مع مرور الوقت. واليوم مع زيادة دوائر الشك وارتفاع جدارة السردية الخاصة بأن انتشار فيروس كورونا سببه تسرب مشبوه من أحد المختبرات العلمية في مدينة ووهان بالصين، ومراجعة ميزان المستفيدين والمتضررين من انتشار الجائحة ليتضح أن الصين كانت أعظم المستفيدين اقتصادياً وأقل المتضررين صحياً، وهو الذي يزكي أن الصين قد أطلقت نوعاً من أنواع الحرب البيولوجية الموجهة بدقة على منافسيها وخصومها.
أما الحرب السيبرانية، فملامحها واضحة والضربات الغامضة المتتالية على المرافق الحيوية المختلفة في قطاعات الكهرباء والمياه وإمدادات النفط والمصارف، ما هي إلا أمثلة بسيطة لما هو آت. وتوجه أصابع الاتهام إلى روسيا وأوكرانيا وإسرائيل وإيران وصربيا والصين وكوريا الشمالية بقيامها بأعمال من هذا النوع، مع عدم إغفال إمكانية قيام الولايات المتحدة بعمليات شبيهة وفعالة ومؤثرة ضد خصومها هي الأخرى. إلا أن كل العمليات حتى الآن تصنف ضمن خانة المناوشات الخفيفة أشبه بجولات بسيطة من نوع «اضرب واجرِ»، وتبقى التفسيرات الرسمية المقدمة على المعارك البيولوجية والسيبرانية تليق بمشاهد أفلام طيب الذكر أميتاب باتشان ورفاقه.
أيضاً، تطرق العديد من المفكرين والخبراء الاستراتيجيين لأشكال الصراعات المستقبلية بين الفرقاء، وبالتالي يعد هذا البحث ليس بالجديد وقد يكون من الممكن الاستشهاد بما كتبه الاستراتيجي جورج فريدمان، الذي قال إن الصراع مع الصين سيكون من الداخل الصيني نفسه، على أساس تفتيت المقاطعات، أو الاستشهاد برأي ويسلي كلارك القائد العسكري في حلف الأطلسي الذي توقع أن الحرب القادمة ستكون إلكترونية مائة في المائة، ولكني أتذكر مشاهد لحلقات المسلسل الكرتوني الشهير «الجتسونز» الذي انطلق عام 1962 ويتناول حياة عائلة في عصر المستقبل المدهش باختراعاته ومعداته ونمط تفكيره، تحدث المسلسل عن جوائح ترسل للقضاء على الأعداء، وتوجيه أوامر لضرب نظام الحياة الإلكتروني عندهم.
ليس الغرض هنا الترويج لنظريات مؤامرة، ولكن للفت الانتباه لكل خاطرة استشرافية عن مستقبلنا مهما استصغرنا واستخففنا بالمصدر الرئيسي لتلك الاستشرافات المهمة، والتي تثبت لنا الأيام لاحقاً جدارتها وأهميتها بشكل قطعي وواضح.
الحروب الجديدة هي ذات شكل مختلف، وبالتالي على العالم الاستعداد الجدي لأسلوب مختلف لاحتساب ثمنها وتكلفتها.