وائل مهدي
صحافي سعودي متخصص في النفط وأسواق الطاقة، عمل في صحف سعودية وخليجية. انتقل للعمل مراسلاً لوكالة "بلومبرغ"، حيث عمل على تغطية اجتماعات "أوبك" وأسواق الطاقة. وهو مؤلف مشارك لكتاب "أوبك في عالم النفط الصخري: إلى أين؟".
TT

صحة توقعات «غولدمان ساكس»

توقع مصرف «غولدمان ساكس»؛ أحد المصارف ذات التحليلات والتوقعات المؤثرة في سوق النفط، أن ترتفع أسعار النفط إلى 80 دولاراً للبرميل في الربع الرابع من العام الحالي، معللاً ذلك بأن السوق لم تحسن تقدير التعافي في الطلب، وذلك حتى رغم الاستئناف المحتمل للإمدادات الإيرانية من الخام. وتوقع البنك أن الطلب سيزيد 4.6 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام، مشيراً إلى أن أغلب الزيادة مرجحة في الأشهر الثلاثة المقبلة.
في الأعوام الخمسة الماضية، كان الحديث عن 80 دولاراً أمراً مستبعداً، لكني أراه الآن توقعاً معقولاً، ولكن هذا الارتفاع ليس مستداماً على المدى القصير، لأسباب عديدة؛ من بينها تكلفة الإنتاج للنفط الذي ينتجه المنتجون الهامشيون، وهنا نقصد أولئك أصحاب آخر البراميل دخولاً للسوق وفي الغالب يكون إنتاجهم عالي التكلفة. حالياً لا توجد سوى شركات النفط الصخري التي ينطبق عليها التعريف؛ لأن باقي المنتجين الذين ينتجون بأسعار تنافسية ومنخفضة يتم استهلاك إنتاجهم أولاً، ويتبقى أولئك أصحاب التكلفة العالية.
من الواضح أن تكلفة إنتاج النفط الصخري تراجعت خلال السنوات الماضية مع تطور تقنيات الحفر، وتراجع تكلفة الإقراض، والاندماجات والاستحواذات بين المنتجين الصغار في الولايات المتحدة. أما على المستوى الطويل؛ فالصورة مختلفة، ولا أستبعد أسعار نفط أعلى من 60 دولاراً بصورة مستدامة، فمن جهة؛ هناك ضغط على المعروض بسبب عدم مقدرة كثير من الدول على مواصلة الإنتاج بمستويات عالية، كما أن هناك ضعفاً محتملاً في التمويل بسبب إحجام كثير من المصارف والمستثمرين عن الدخول في قطاع الهيدروكربون الذي يعدّونه السبب الأول للاحتباس الحراري والتغير المناخي.
أعود للحديث عن الأسعار على المدى القصير... يبدو أن الأمور تسير في اتجاه تصاعدي واضح؛ فمن جهة هناك تحسن في الطلب مع زيادة اللقاحات وعودة الاقتصادات تدريجياً لطبيعتها، يقدره «غولدمان ساكس» بنحو 4.6 مليون برميل يومياً، ويقدره «جي بي مورغان» بنحو 4.4 مليون برميل يومياً، في الوقت الذي لن يدخل فيه إنتاج جديد للسوق بسرعة كبيرة، فالدول الأعضاء في تحالف «أوبك بلس» تدير المعروض بشكل جيد. وحتى عودة نفط إيران التي يتخوف منها البعض، لن تكون سريعة وسهلة، بسبب عوامل فنية، مثل إعادة تشغيل الآبار، وعوامل تجارية، مثل انتهاء فترة التعاقدات السنوية للعديد من المصافي، وفي أفضل الأحوال أمام إيران ما بين 3 و6 أشهر حتى تضيف حصة معقولة في السوق، بافتراض أن المحادثات النووية لا تتعطل وتحصل على موافقة الولايات المتحدة لإعادة تصدير نفطها.
للتنويه فقط؛ هناك نحو 60 مليون برميل من النفط الإيراني جرى تخزينها في أنحاء مختلفة من العالم على الصهاريج العائمة، وهناك نفط إيراني مخزن في الصين. وخلال الأشهر الأخيرة، كانت إيران تبيع نفطاً للخارج تحت جنسيات مختلفة؛ بحسب العديد من التقارير الإعلامية.
الخلاصة أن أسعار النفط أمامها عام جيد من الارتفاع، وقد يستمر هذا لأجزاء من 2022 مع زيادة نسبة اللقاحات والتعافي. حتى الآن التعافي تدريجي وبطيء، والسياحة في العالم ستأخذ وقتاً أطول حتى تتعافى ونشهد حركة سفر قوية. ونظرياً قد تكون حركة «خام برنت» بين 60 و80 دولاراً خلال الاثني عشر شهراً المقبلة؛ مقبولة. هذا الأمر يعني أن الدول المنتجة قد تحسب ميزانياتها في 2022 على أسعار أعلى بكثير من 2021، وقد ينعكس هذا على الإنفاق الحكومي؛ مما يؤدي إلى دورة اقتصادية أفضل وتحسن في الطلب.
عموماً؛ كل أزمة يشهدها العالم تعقبها فترة تعاف قوية، ورأينا هذا بعد الأزمة الآسيوية عام 1997، والأزمة المالية العالمية في 2008. إن الاستثناء لهذا كانت فترة بداية التسعينات وأواخر الثمانينات، ولكن حينها كانت السوق بلا قائد حقيقي، و«أوبك» كانت في حالة ضعف، ولم يكن هناك من يساعدها في إدارة السوق. أما اليوم؛ فقد أثبت تحالف «أوبك بلس» قدرته على إدارة السوق بشكل كبير، وسيظل التحالف قائماً حتى مطلع 2022 على الأقل؛ لأن الاقتصاد العالمي سيظل هشاً لفترة.