د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

القضية الفلسطينية بين تطرفين

القضية الفلسطينية عانت من تطرف «الليكود» وتطرف «حماس»، فكلتا الحركتين، أو الحزبين، حاولت صبغ القضية ببصمتها وصبغتها، فـ«حماس» جعلت منها قضية إخوانية خالصة وخصخصتها ضمن مشروعها التنظيمي واختزلت القضية الفلسطينية من قضية وطن لشعب فيه المسلم والمسيحي وحتى اليهودي الرافض لدولة إسرائيل (كجماعة نيوكارتا ناطوري) إلى قضية جماعة وتنظيم، ومن يخالف رؤيتها للحل هو عدو لـ«المقاومة» بالمنظور الحمساوي، بينما حزب «الليكود» في الجانب الآخر تعاطى من فلسطين التاريخية (ما قبل 1948) على أنها قضية حزب راديكالي وجماعة تؤمن بطرد الآخر، أي السكان الأصليين لفلسطين التاريخية، والذين من بينهم العرب الفلسطينيون وحتى الكنعانيون، واختزل «الليكود» فلسطين فيما سماه «أرض الميعاد» و«وعد الرب» في قراءة خاطئة ومضللة للكتب السماوية التي تؤمن بالتعايش.
فلا حركة «حماس» كانت حركة وطنية خالصة همّها القضية الفلسطينية للفلسطينيين جميعاً والذين بينهم العربي والمسلم والمسيحي واليهودي، ولا حزب «الليكود» كان حركة وطنية إسرائيلية همها سكان وطن وتعايش بين قوميات وأديان في جغرافيا كانت مهبط ديانات سماوية، لا يمكن خصخصتها لشعب أو أمة أو ديانة، كما تحاول «حماس» و«الليكود» فعل ذلك.
وعندما منعت «إسرائيل» الأذان في الأقصى كان أن رفع القساوسة الفلسطينيون الأذان من كل كنائس فلسطين، ما يؤكد أن القضية الفلسطينية ليست النسخة التي تروج لها «حماس» الإخوانية، وليست قضية «حماس» و«حزب الله» كما يروج لها.
فـ«الليكود» كان وما زال يعارض الانسحاب من أي أراضٍ احتلتها إسرائيل خلال حروبها مع الدول العربية المجاورة، كما دعم إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة، ولا يؤمن بحق الفلسطينيين في إقامة دولة حتى على الجزء المتبقي من أرض فلسطين التاريخية، فـ«الليكود» يؤمن بما يسميه «حق» إسرائيل في كامل أرض فلسطين وشرق الأردن «وفق التصور الليكودي»، وهو يطلق على الأراضي العربية المحتلة لفظ «أرض إسرائيل المحررة».
وفي الجانب المقابل، فإنَّ «حماس» هي الأخرى لا تؤمن بوجود إسرائيل كدولة، بل تعدّها مجرد كيان غاصب ومحتل حتى لأراضي فلسطين 1948، ولعل ما عزز هذا هو التطرف الليكودي وباقي من يدور في فلكه ممن يرفض حق المواطنة للسكان المقدسيين في القدس الشرقية، بل وحتى السكان العرب الأصليين في حيفا ويافا، ما جعل من حق المواطنة ضائعاً رغم محاولة الزعم الإسرائيلي بالمساواة والعدالة في حق المواطنة بين جميع سكان «إسرائيل»، الأمر الذي يكذبه كثير من الشواهد بسب ميراث حزب «الليكود» السياسي لسنوات في السلطة السابقة التي أسست «دولة إسرائيل».
القضية الفلسطينية حقيقة لم تكن الشغل الشاغل للإسلام السياسي سوى للترويج والدعاية، وإلا فأين هم المقاتلون «الأشاوس» التابعون للإسلام السياسي كـ«القاعدة» و«داعش» و«حزب الله» و«عصائب الحق» و«الفاطميون» و«الزينبيون» و... و... أين هم من الدفاع عن الأقصى مسرى النبي محمد؟
صحيح أن مشروع الدولة الواحدة لا يمكن له الحياة، في ظل منهج الإقصاء وطرد الآخر في جغرافيا صغيرة يحاول كل طرف طرد الآخر منها بحجم قدرته وترسانة أسلحته، وإن كانت الغلبة حالياً للإسرائيليين وليست للفلسطينيين، بحكم التفوق الشاسع في ترسانة الأسلحة.
القضية فلسطينية وإسرائيلية وهذا الاسم الحقيقي، وليست قضية «حماس» و«الليكود»، فهي لن تحل بتزوير الجغرافيا ولا تبديلها ولا بعقلية «حماس» ولا عقلية «الليكود» ومن يطوف معهما، ولا حتى بقصف المدنيين في الطرفين، ولا بتدمير أبراج سكنية في غزة وتهجير سكان مدنيين، ولا بالاستيطان، بل تحل القضية بالتكاتف الدولي لإقناع الطرفين بحل الدولتين عند حدود عام 1967، وليس بدولة إسرائيل من غير حدود كما يتبناها «الليكود».