خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

الخطيئة الوحيدة

قيل لأعرابية، إن ابنك قد عشق. فردت بفرح ظاهر: الحمد لله! الآن رقّت حواشيه، ولطفت معانيه، وملحت إشاراته، وظرفت حركاته، وحسنت عباراته، وجلت شمائله، فواظب المليح، وجنب القبيح.
وعلى عكس كلام هذه الأعرابية الجميلة التي قالته قبل مئات السنين قرأت قبل أيام فقط أن باحثين وجدوا علاجا للشفاء من الحب! من خلال تكنولوجيا حيوية تعمل على اكتشاف المشاعر المرتبطة بالحب ووضع حد لها باستخدام دواء مضاد!
ما هذا الكلام السخيف؟ هل نحتاج اليوم إلى أدوية تزيد من مشاعر الحب عندنا أم أدوية تزيد من الكراهية في قلوبنا؟
كان البشر في كل العصور والأزمان - ولا يزالون - يبحثون عن الحب، ويتمنونه بل ويحلمون به يتربع عرش حياتهم، لكن المنغّصين في حياتنا وجدوا أننا لا نستاهل الحب، وعلينا اختراع كل ما يمكن للشفاء منه.
هذا دواء مجنون، وفي أقل الأحوال دواء ضد المشاعر الإنسانية والطبيعية للناس في أن «يحبوا وينحبوا»، بل إنني أستطيع أن أجزم بأن هؤلاء الباحثين إما أنهم يعيشون في كواكب أخرى، وإما أنهم حمقى من الدرجة الأولى.
فبينما الدنيا كلها تكاد تتحول إلى كراهية معلنة عبر حروب لا تنتهي ونزاعات لا تتوقف ومصائب تزداد كل يوم، يخترع لنا عباقرة لا أعرف من أين أتوا ليقضوا على الحب في قلوب ملايين البشر.
لكن من طلب من هؤلاء الباحثين أصلا أن يخترعوا لنا أدوية مضادة للحب؟ هل خرجت ملايين الناس في شوارع العالم وطلبت إنقاذها من الحب! هل اشتكى لهم أحد من مصائب المحبة؟ بل هل هم أصلا أوصياء علينا؟ وعلى كل البشر الذين لا تزال قلوبهم تنبض بالمحبة والطيبة والطهارة وكل المشاعر الإنسانية الجميلة.
شيء محير فعلا. من طلب من هؤلاء أن يزيدوا العالم كراهية وحقدا وهو المدجج بالأسلحة أصلا، والذي تمتلئ مدنه وشوارعه بالقتل والتشرد واللجوء؟
وإذا كان هناك سؤال صغير وبسيط يمكن أن يطرح على هؤلاء الباحثين فهو ألا يوجد عندكم عمل تقومون به غير محاربة الحب؟ ألا توجد في الدنيا مصائب ومشكلات كثيرة وخطيرة تحتاج منكم إلى أن تهرشوا أدمغتكم وتكتشفوا لنا حلولا فيها وأدوية لها؟
ألا يعيش هؤلاء في العالم؟ ألا يرون المذابح التي ترتكب كل يوم في حق الأطفال والشيوخ والنساء الذين يموتون كل يوم؟ أشك في كل ذلك!
لقد انتهت مآسي الكرة الأرضية والكواكب السيارة الأخرى، ولم يبقَ غير الحب هو الخطيئة الوحيدة واللعنة الأخيرة.
لا حول ولا قوة إلا بالله.