حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ملفات ما بعد «كورونا»!

مع ازدياد حالات التفاؤل حول العالم بقرب الخروج من نفق «كورونا» الطويل والمظلم، بسبب ارتفاع معدلات تلقي اللقاح مما سيؤدي إلى تحقيق مناعة القطيع في المجتمعات المصابة، تتوجه الحكومات الكبرى للتركيز وبشكل أساسي على ملفي السياسة والاقتصاد. فالولايات المتحدة تستعد في شهر يوليو (تموز) القادم، والذي يصادف في بدايته اليوم الوطني لها، للإعلان عن وصولها إلى النسبة المنشودة للقاح الجمعي، الذي بموجبه سيمكنها من إعادة الحياة إلى طبيعتها بشكل كامل. وبريطانيا هي أيضاً كانت قد أعلنت عن إجراءات مماثلة وتصب في نفس الاتجاه. ولم يعد خافياً على أحد وضع الصين وعودتها إلى الحالة الطبيعية في وقت قياسي بعد تغلبها على الوباء فيها.
أميركا لديها أجندة واضحة جداً الآن، وهي تجييش مواردها وحلفائها لمواجهة التحدي الأول لها، وهو الخطر المتصاعد لنفوذ الصين الاقتصادي، وبالتالي السياسي حول العالم. وهي المسألة التي تجعلها تعجل في إغلاق العديد من الملفات التي تشتت تركيزها عن التفرغ للتحدي الأهم لها. وهذا يفسر تسارعها في إتمام الاتفاق النووي مجدداً مع إيران، وإتمام الانسحاب الكامل لقواتها العسكرية من أفغانستان، وإعادة توظيف وجودها العسكري في العراق تحديداً وسائر منطقة الخليج العربي، والحديث عن سحب قواتها من سيناء، وذلك لتوظف القوات والعتاد العسكري بشكل أساسي في القارة الأوروبية لردع الأطماع الروسية وبشكل أساسي في منطقة المحيط الهادي لمواجهة الأطماع التوسعية الصينية فيها، مما يعني وبشكل عملي وواقعي وحقيقي وجود مناطق ساخنة وحساسة وقابلة للكسر قد تكون هي نقطة التحول إزاء الوضع الحالي وتحويله من حرب باردة إلى نقطة مواجهة ملتهبة جداً.
في المحيط الهندي هناك جزيرة تايوان التي تتمتع بعلاقة خاصة مع أميركا، وتعتبرها الصين «محافظة متمردة» يلاحظ فيها القلق والتوتر المتزايد بسبب حدة التصريحات المتزايدة من الصين عن أهمية عودة وضم تايوان إلى الوطن الأم، مع عدم إغفال المناورات العسكرية الضخمة التي تقوم بها الصين بالقرب من حدود الجزيرة وبشكل أقل ما يقال عنه إنه استفزازي للغاية. وطبعاً لا يمكن إغفال الاستفزاز الذي يسببه الحليف الصيني كوريا الشمالية للولايات المتحدة وحليفها الآسيوي الأول اليابان، وخصوصاً بعد فشل الإدارة الأميركية السابقة في تحقيق أي إنجاز يذكر يحول كوريا الشمالية إلى صف أميركا باتفاق ما.
أيضاً هناك أوكرانيا الكرة الملتهبة بالقرب من الخاصرة الأوروبية، التي تواجه أخطاراً متزايدة من قبل الروس وأذرعتها الغليظة الاقتصادية منها والاستخباراتية بشكل أصبح فيه تهديد واضح وعميق للقارة العجوز وأمنها. وبريطانيا التي صدمت العالم بـ«بريسكتها» وخروجها المفاجئ من الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية تعاني اليوم من تبعات هذا القرار، فهي تستشعر هذا الأمر على أكثر من صعيد؛ الحرب على لقاحها المضاد لـ«كوفيد» والمعروف باسم أسترازينيكا من قبل الدول الأوروبية، الأمر الذي فسره الكثيرون بأنه حملة سياسية لمعاقبة بريطانيا على قرارها بمغادرة الاتحاد الأوروبي. ولعل المواجهة التي حصلت بين بريطانيا وفرنسا بسبب الخلاف على حدود الصيد المسموح بها بحرياً بالقرب من جزيرة جيرسي البريطانية، والتي تقع بالقرب من حدود فرنسا قد يكون مقدمة لما هو آت من ملفات ساخنة أخرى ستواجهها بريطانيا مع دول أخرى من الاتحاد الأوروبي عموماً. ولكن بريطانيا تستعد مع «بريكست» آخر داخلي مع عودة الأصوات المتصاعدة المطالبة باستفتاء عن استقلال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة، لأن الاسكوتلنديين يعتقدون أن خروج بريطانيا من السوق الأوروبية أوقع بالضرر الاقتصادي العظيم عليهم، والحل يجب أن يكون بالاستقلال عن بريطانيا، والانضمام بعد ذلك إلى الاتحاد الأوروبي. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى وجود قبول شعبي عريض لهذه الفكرة في اسكوتلندا. ولكن أهمية ما يحصل في اسكوتلندا في حال نجاحه يشير إلى أنه من المرجح أن يفتح شهية مطالبي الاستقلال لإقليم الباسك ومقاطعة كاتالونيا في إسبانيا، وفصل منطقة الشمال في إيطاليا وغير ذلك.
هناك العديد من الملفات الاقتصادية والسياسية الهادئة حتى الآن والمرجحة أن تنال نصيباً عظيماً من الاهتمام وبالتالي السخونة المتوقعة بعد ذلك.
مرحلة ما بعد «كورونا» ستكون مرحلة التعويض والتغيير، واستغلال الفرص بشكل استباقي على حساب الآخرين. إنها فترة مقلقة ومثيرة.