مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

لقمة في بطن جائع

شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن، لحكمة قد يغفل عنها الكثير من الناس، وهي أن يمتنعوا عن الطعام نهاراً ليجوعوا جميعاً، غنيهم وفقيرهم، ليكونوا سواسية ويحس الغني بمعاناة الفقير، فهل تغلغلت هذه الحكمة الربانية في أعماق الجميع – خصوصاً المقتدرين منهم -؟!، وإنني والله أشك في ذلك، خصوصاً بعد أن قرأت في تقرير لمنظمة الصحة العالمية، أن (السمنة) للرجال والنساء تزداد عند المسلمين في شهر رمضان.
ودعوني أعُد بكم القهقرى قليلاً، لتقرأوا معي ما جاء في بعض أخبار التراث، ومما يقال:
إن (أحمد بن مسكين): وهو أحد علماء (القرن الثالث الهجري) في البصرة، قال: أبتليت بالفقر، فلم يكن عندنا شيء، ولي امرأة وطفلها، وقد طوينا على جوع يخسف بالخوف خسفاً، فجمعت نيتي على (بيع الدار) والتحول عنها، فخرجت أتسبب لبيعها فلقيني (أبو نصر) فأخبرته بنيتي لبيع الدار والسبب، فدفع إليّ (رقاقتين من الخبز) بينهما حلوى، وقال: أطعمها أهلك، ومضيت إلى داري، فلما كنت في الطريق لقيتني امرأة معها صبي، فنظرت إلى الرقاقتين وقالت: يا سيدي هذا طفل يتيم جائع ولا صبر له على الجوع فأطعمه شيئاً يرحمك الله، ونظر إليّ الطفل نظرة لا أنساها، فدفعت ما في يدي للمرأة وقلت لها: خذي وأطعمي ابنك والله ما أملك بيضاء ولا صفراء، فدمعت عيناها وأشرق وجه الصبي.
ومشيت وأنا مهموم وجلست إلى حائط، وإذ أنا كذلك إذ مرّ (أبو نصر) وكأنه يطير فرحاً، فقال: يا أبا محمد ما يجلسك ها هنا، وفي دارك الخير والغنى؟، قلت: سبحان الله ومن أين يا أبا نصر؟، قال: جاء رجل من خراسان، وقد كان أبوك أودعه مالاً من (ثلاثين سنة) فعاد إلى البصرة وأراد أن يتحلّل فجاءك بالمال وعليه ما كان يربحه في (ثلاثين سنة) - انتهى.
ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب عندما وقف يودع أحد نوابه على بعض أقاليم الدولة، فقال له: ماذا تفعل إذا جاءك سارق؟!، قال: أقطع يده، قال عمر - رضي الله عنه -: إذن فإن جاءني جائع أو عاطل، فسوف يقطع عمر يدك، إنّ الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرمتهم، يا هذا إن الله قد خلق الأيدي لتعمل - انتهى.
وإليكم أقصر خطبة في التاريخ: عندما اعتلى الشيخ عبد القادر الجيلاني المنبر في يوم جمعة برمضان قبل ألف عام، قال:
إن لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع.
ثم نزل وقال للمؤذن: أقم الصلاة.