بوسع كل من يتابع ثبات الموقف السعودي، عبر مختلف المراحل، لجهة الحرص على علاقات حُسن جوار مع كل الجيران، استشفاف توجيه خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، فيما تضمن حديث الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، بخصوص التصوّر السعودي لمسار العلاقة مع إيران.
حدث ذلك خلال حوار تلفزيوني أجراه الإعلامي الناجح عبد الله المديفر، وبُث يوم الثلاثاء 27-4-2021. واضح لكل مراقب عن قرب، كم كان لما جرى من تطورات خلال الأعوام العشرين الماضية، ولم يزل لبعض منها، وقع صاعق، بفعل ما أحدث من تغييرات في مناطق عدة، على غير مستوى، سياسي واقتصادي وديموغرافي. يرجّح باحثون في مؤسسات أبحاث عدة، أن تلك التغييرات لم تَرِد في حسابات معظم كبار الممسكين بمفاتيح صنع القرار في عواصم دول العالم ذات التأثير الأهم، ويستند بعضهم، في تحليلهم هذا، إلى حقيقة أن بعضاً من الساسة المعروفين على المسرح العالمي، لم يجد حرجاً في الاعتراف بالتفاجؤ، ومن ثم الارتباك، في التعامل مع ما نشأ من واقع صادم. ذلك الإقرار هو تصرف صحيح، حتى لو تسبب في شيء من التباطؤ في الأخذ بزمام المبادرة مجدداً، والبدء في وضع سياسات تتناسب مع ما طرأ من واقع جديد.
ضمن سياق التعامل الواقعي مع التطورات المُشار إليها، سوف يفيد جهات القرار في إيران، باختلاف مرجعياتها، وتعدد رؤاها، أن تتعامل مع كلام الأمير محمد بن سلمان، من منطلق تفكير ينسجم مع أمرين؛ أولهما التسليم بأن الواقع تغيّر، وأن التغيّر يتواصل دائماً، لأن الجمود متناقض مع نواميس الحياة ذاتها. ثانيهما؛ أن يد الرياض ليست مبسوطة من موقع ضعف تجاه طهران، بل من إحساس نابع من السعي لما يخدم مصالح الناس في كلا البلدين. يعزز هذا الفهم أن كلام الأمير محمد بن سلمان، في شأن مستقبل العلاقة مع إيران، تحديداً، استهدف التخاطب مع الجار الإيراني بلغة تمهد السبيل نحو تعامل جديد ينهض وفق أسس حُسن الجوار المتعارف عليها بين شعوب الأرض كافة. أليس في هذا الطرح القائم على أساس واضح ينطلق من الثقة بالنفس، أولاً، والإيمان بقيمة الاحترام المتبادل بين الدول، ثانياً، ما يصنع الخير للناس، في كلا البلدين؟ بلى؛ بل هو أفضل كثيراً من كل تطلع أناني، سواء داخلياً أو خارجياً، قد يَحول دون ذلك الخير النافع للآتين مستقبلاً من أجيال الشعبين.
يبقى أن النظر الموضوعي لما تردد من رد فعل إيراني على كلام الأمير محمد بن سلمان، يستدعي أخذ الترحيب بعين الاعتبار. بيد أن الاكتفاء بترحيب كلامي لن يكفي، خصوصاً عند تذكر حقيقة تعدد التوجهات داخل دوائر الحكم في إيران. أحدث مثال في هذا الصدد، والأرجح ليس الأخير، يتمثل فيما حدث من تفاعل، إيرانياً، إزاء أزمة الشريط المُسرّب عن موقف جواد ظريف، وزير الخارجية، من تدخلات الحرس الثوري بشأن سياسات إيران، عموماً، ودور قاسم سليماني، خصوصاً، وما تبع من غضب المرشد علي خامنئي على السيد ظريف.
يؤشر كل ما سبق في اتجاه أن دولة إيران تقف، فعلاً، أمام امتحان، ليس فقط في شأن التصرف الجاد القائم على تفكير واقعي رداً على ما ورد في حديث الأمير محمد بن سلمان، بل أساساً فيما يتعلق بمدى استعداد طهران لانتقال صادق، وبلا مواربات، من خندق العمل الثوري، إلى منطق الدولة بكل ما يوجب من التزام بالمواثيق الدولية، وما يستدعي من التزامات التعامل مع دول الجوار الإقليمي، والمحيط العالمي ككل. ننتظر كي نرى، وفي الوقت نفسه يبقى التفاؤل بالخير مطلوباً...
TT
إيران أمام امتحان
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة