د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«الرَغِي»... صراع الصفحة البيضاء

يقول زميلنا الناقد السينمائي طارق الشناوي إن ما يحدث في مسلسلات رمضان أو «المهلهلات»، كما وصفها، هو بمثابة «صراع الصفحة البيضاء، التي يجب على الكاتب المحترف أن يملأها، حتى يتمكن من تبديد زمن الحلقة». وبدأ يشرح لنا كيف يستنفد كتاب النصوص كل «ذخيرتهم الحية» في النصف الأول من رمضان ثم ندخل معهم في مرحلة «اللت والعجن». ووصف ذلك بقوله عندما يرن جرس الباب (فتنتقل الكاميرا بين أفراد العائلة، نرى أحدهم نائماً، والثاني «عامل نفسه نايم»، والثالث يعيش أحلام اليقظة، والرابع يتوجه صوب الباب، وقبل أن يفتح، يصطدم بالكرسي ويقع على الأرض) في محاولة لتكملة الصفحة البيضاء بما يسميه المخرج يوسف شاهين «الرغي» (الكلام المرسل).
ولأن النصوص في الشاشة الصغيرة والكبيرة هي محتوى عربي يهمني ككاتب وكمهتم بكل ما يثري لغة الضاد، فقد تذكرت كيف يختار الغرب كتابهم. فمسلسلاتهم، كـ«فريندز» مثلاً، تكتبها لجنة مصغرة، تتنافس فيما بينها على أفضل المشاهد والقفشات و«الأفيهات» العفوية في سباق محموم نحو إسعاد المشاهد وإدهاشه.
شخصياً أكثر ما أعاني منه هو صراع الصفحة البيضاء. فما أن أتيقن بأن الفقرة التالية لن تضيف جديداً أبتعد فوراً عن لوحة المفاتيح (الكتابة). وذلك حتى لا أصبح ما وصفه وحيد حامد بـ«الكاتب الفطاطري» الذي يعجن العجينة الصغيرة بإصرار ليكبر حجمها، حتى ولو كانت لا تحتمل ذلك.
والمتأمل لمحتوى النصوص يجد أننا ككتاب وصناع محتوى في شتى المجالات نقع في هذه الورطة وهي صراع العجينة. ولهذا أنا أوجه أصابع النقد للمؤسسات الصحافية التي تلزمنا بعدد محدد من الكلمات يصل إلى ضعف ما أكتبه في «الشرق الأوسط» اللندنية مثلاً، والشماعة هي حجم الصفحة، علماً بأن صحيفة العرب الدولية لا تلزمني بعدد محدد من الكلمات. وكذلك النقد يوجه للمؤسسات الإعلامية التي تفكر في الإعلان الرمضاني وكأنه «باكج» يجب أن يدفع ثمنه المشاهد للتسمر أمام مسلسل لا يستحق سوى أن يكون سباعية مكثفة بدلاً من «تمطيطه» إلى 30 يوماً.
إذن الحل للمحتوى الجيد بمزيد من الإبداع، والتكثيف، والرشاقة، وشيء من المتعة حتى يبقى النص العربي جاذباً، سواء كان على الشاشة أو قصاصات ورقية.