طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

فطاطري «النجوم»

هل تتذكرون ماذا يفعل الفطاطري بقطعة العجين الصغيرة؟ يشكلها على مائدته طبقاً لرغبات الزبون، قليل من الدقيق، من الممكن أن تشغل مساحة لا تتجاوز بضعة سنتيمترات، لو أنه مثلاً قرر أن يصنع منها قطعة (بيتزا) صغيرة، بينما نفس الكمية لو كان بصدد فطيرة ستجدها وقد اتسع قطرها إلى دائرة مترامية الأطراف، سمكها محدود جداً، ولكنها تشغل حيزاً كبيراً.
هل تجدون أن هناك توافقاً ما بين الفطيرة وعدد غير قليل ما شاهدناه ولا نزال من المسلسلات وفي قول آخر عفواً (المهلهلات) المعروضة أمامنا، خاصة مع بداية النصف الثاني من رمضان؟ تكتشف أن أغلبهم، أقصد الكُتّاب، ليس لديهم الكثير مما يقدمونه بعد أن استنفدوا في النصف الأول، كل الذخيرة الدرامية الحية، التي يحتفظون بها من العام للعام، لتبدأ مرحلة «اللت والعجن»، نستمع مثلاً إلى جرس الباب، وتنتقل الكاميرا بين أفراد العائلة، نرى أحدهم نائماً، والثاني «عامل نفسه نايم»، والثالث يعيش أحلام اليقظة، والرابع يتوجه صوب الباب، وقبل أن يفتح، يصطدم بالكرسي ويقع على الأرض، وهكذا تضيع بضع دقائق، إنه صراع الصفحة البيضاء، التي يجب على الكاتب المحترف أن يملأها، حتى يتمكن من تبديد زمن الحلقة.
بداية أقول لكم إن تشبيه الكاتب بالفطاطري، هذا التماثل العبقري، ليس من بنات ولا عمات ولا خالات أفكاري، ويملك حق براءة اختراعه كاتبنا الكبير الراحل وحيد حامد، وذلك في حوار طويل أجريته معه، عندما سألته عن «آفة» الدراما التلفزيونية. أجابني مباشرة أن يغير الكاتب مهنته ويصبح «فطاطرياً».
وأقول على مسؤوليتي إن النسبة الأكبر من الكُتّاب، لجأوا بالفعل، وخاصة في النصف الثاني من رمضان إلى تغيير المهنة، حجتهم أنهم يملأون الثلاثين حلقة المفروضة عليهم من شركات الإنتاج.
عدد كبير من أشهر المسلسلات التي سكنت الذاكرة والوجدان لم تتجاوز رقم 15 وبعضها 13 مثل «هو وهي» سعاد حسني وأحمد زكي و«أحلام الفتى الطائر» عادل إمام، كثيراً ما حاولوا إقناع الكاتب والمخرج لتقديم أجزاء ثانية، إلا أنهم كانوا قادرين على استخدام كلمة لا.
عدد الحلقات، لا نستطيع أن نعتبره في المطلق، قرينة على القوة أو الضعف، مثلاً مسلسل «بين السماء والأرض»، الذي انتهى عرضه قبل بضعة أيام، التزم مخرجه محمد جمال العدل برقم 15. ولو اختصر إلى 10 حلقات فقط، لأصبحنا بصدد عمل فني أكثر انضباطاً.
لماذا لا نعود لزمن كان هناك أيضاً ما يُعرف بالخماسية والسباعية؟ المحتوى يحدد عدد الحلقات.
سألت المخرج يوسف شاهين عن العيب الأكبر في الدراما التلفزيونية، أجابني: «الرغي»، وكان يحذر كل من يعمل معه، بتجنبها، واعتبرها مثل الرمال المتحركة، من تنزلق قدمه مرة لن يستطيع الفكاك، وستنغرز قدمه أكثر وأكثر. الغريب أن كل من حذرهم يوسف شاهين أصبحوا من علامات الدراما التلفزيونية مثل نور الشريف ويسرا ومحمود حميدة!!
مع نهاية شهر رمضان تلجأ بعض القنوات إلى إجراء مونتاج تختصر فيه زمن المسلسل من خمس عشرة ساعة إلى ساعتين فقط، وعند إعادة المشاهدة، نكتشف كم أفسد «الفطاطرية» الدراما التلفزيونية!