فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

دمار سوريا

عند الإشارة إلى ما أصاب سوريا من خسائر بفعل سياسات نظام الأسد بأدواته المحلية وحلفائه الإقليميين والدوليين، فإن التركيز يتوقف عند ما أصاب البلد من خسائر بشرية ومادية في نحو من ثلاث سنوات مضت، وبصورة عامة فإن الإشارة تقارب ملامح الخسائر البشرية بالقول، إن نحو مليون سوري كانوا ضحايا مباشرين لعمليات قمع النظام موزعين ما بين الذين سقطوا موتى، وغيرهم من الجرحى وأغلبهم يحمل إصابات دائمة صار أصحابها عجزة أو في حكم ذلك، وسجناء ومفقودين، يحيط الالتباس بوجود أكثرهم على قيد الحياة، كما يشار في ملامح الخسائر البشرية إلى النازحين المشردين من بيوتهم ومناطق سكنهم، ويقدر عددهم بأكثر من سبعة ملايين نسمة، في حين يقدر عدد اللاجئين والمقيمين في بلدان الجوار السوري بما يصل إلى نحو خمسة ملايين سوري.
أما في موضوع الخسائر المادية، فإن ملامح الدمار، تشمل ما لحق بالممتلكات العامة والخاصة من خسائر، قسم منها في صورة دمار جزئي، والباقي في حالة دمار كلي، وينطبق هذا على ما أصاب البيوت والمساكن المقدر حجم المدمر منها بأكثر من نصف المساكن في البلاد، وقد لا يكون حجم ما دمر من ممتلكات عامة أقل نسبة مما سبق.
وتشمل الخسائر المادية، الدمار الذي لحق بالبنى التحتية من شبكات الماء والكهرباء والهاتف والنقل والطرق، وقسم كبير من هذه البنى صار خارج الخدمة في معظم المناطق السورية.
ومما لا شك فيه، أن ملامح الخسائر البشرية والمادية التي أصابت سوريا، تؤشر إلى حجم الدمار الكبير الذي أصاب البلد.
غير أن ثمة معطيات أخرى، تعطي دمار سوريا أبعادا أكثر خطورة وتأثيرا، وفي هذا الجانب يمكن التوقف عند بعض الملامح الشديدة الأهمية ولعل الأبرز فيها:
أن العمليات العسكرية – الأمنية للنظام، وما جرى في إطار الرد عليها من انتشار للسلاح والمواجهات المسلحة، عطل المسار العام لحركة المجتمع، ونشاطاته وفعالياته الرئيسة ولا سيما في الزراعة والصناعة والتجارة، ولم تقتصر النتائج على تدمير وإصابة المؤسسات بما فيها من حقول ومزارع وشبكات ري وشركات إنتاج وتوزيع للصناعات السورية، بل جرى تعطيل فرص إعادة تشغيل تلك الفعاليات على نحو ما أصاب القوى العاملة فيها نتيجة تهجير السكان أو منعهم من الوصول إلى أماكن عملهم، وهذا عامل من عوامل تبدلت حالتها مع استمرار حرب النظام في السنوات الماضية منها تعطيل خطوط المواصلات وعمليات استيراد المواد الأساسية وتصدير المنتجات، أو دمار وتعطل النظام المصرفي، والاختلالات في النظام الإداري.
وأدت عمليات انشقاق السوريين عن جهاز السلطة إلى اختلالات في الجهاز وإلى خسارة مؤسسات السلطة كثيرا من كادراتها وقياداتها في المجالات كافة ولا سيما في القطاعات الاقتصادية والإدارية، مما جعل من الصعب على مؤسسات الدولة الاستمرار في مباشرة مهماتها وإنجاز أعمالها المطلوبة في الخطط والأوقات المحددة، بل إن رسم الخطط صار أصعب من حيث المبدأ، وغالبا فإن ما حدث، أدى إلى وقف أي خطط وسياسات تنموية، لأن الهاجس الأمني والحفاظ على السلطة سيطر على كل الاهتمامات، وابتلع كل الإمكانيات القائمة، وسعى إلى توظيف الإمكانيات الممكنة في سياق علاجات الأزمة من الناحية الأمنية.
واستمرار الأحداث متواصلة لنحو ثلاث سنوات، أصاب كثيرا من نخبة السوريين بآثارها المباشرة قتلا واعتقالا ونفيا، ومن لم يصبه ذلك اضطر إلى مغادرة البلاد على أمل العودة إليها مع عودة السلام وبدء حدوث تغيير هيكلي في طبيعة النظام السياسية والاقتصادية، غير أن قسما ممن غادروا، وتحت ضغط ظروف الغربة وما يحيط بها، توجه للهجرة وخصوصا إلى البلدان الغربية الأمر الذي يعني خسارة سوريا لكادراتها وبينهم خيرة الخبرات من أساتذة الجامعات والمثقفين والكتاب والأطباء والمهندسين ممن يصعب تعويضهم في وقت تتزايد حاجة السوريين لمثل هؤلاء.
إن محتوى إشارات الدمار السوري، تكشف بعمق مقدار الكارثة التي أصابت سوريا شعبا وبلدا، وهي كارثة تلقي بثقلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي على سوريا والسوريين في الواقع الحالي وفي المستقبل، وهي حالة ما كانت لتحصل لولا جنون السلطة المتحكم بسلوك النظام وسياساته، ذلك السلوك الذي كثفه شعار أطلقه النظام وأنصاره منذ انفجار حركة الاحتجاج والتظاهر في مارس (آذار) 2011، ورسموه في كل مكان وصلوا إليه: الأسد أو نحرق البلد، وهاهم يواصلون إحراق وتدمير البلد!