زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

استهداف الإمارات: إثارة الغُبار لن يُعيق المسيرة

ليس جديداً استهداف دولة الإمارات الشقيقة، وهو مسار يواجهه الكبار وقد عاشته السعودية من قبل وما زالت، وهي ضريبة النجاح يدفعها الفاعلون والمميزون والمبادرون في المنطقة، ومع ذلك أعداء النجاح كُثر وهم مرضى حاقدون راحتهم في الدسائس والفبركات وتبخيس الإنجازات وتزييف الحقائق. مشهد يعيدنا إلى عالم العرب ومسألة المركز والأطراف والصور النمطية، وقصة كهذه تحتاج منا إلى إسهاب نفرده في مقال لاحق.
ما شهدناه في الأشهر الماضية سوى حملة سياسية منظمة هدفها النيل من سمعة الإمارات. كثيرون في العالم يرون الإمارات دولة سلام وحضارة، ونموذجاً يحتذى ورقماً لا يمكن تجاوزه في المنطقة، وبالتالي يتساءلون عن سبب الهجوم المستمر عليها. هذه ليست المرة الأولى التي تنطلق في دعوات شائنة ومريبة ضد الشقيقة الإمارات؛ فقد أُطلقت حملة مشابهة عقب توقيع اتفاق السلام بينها وبين إسرائيل، ومع ذلك ستبقى دار زايد شامخة وحاضرة ورائدة كما هي دائماً، بلد التنمية المستدامة والفرص والابتكار والتسامح والتعايش واللحاق نحو كل ما هو جديد.
الإمارات وهي تتطلع للاحتفال بيوبيلها الذهبي لاتحادها وبمرور 5 عقود تنموية ومنجزات رائدة، يحق لها أن تفخر بما صنعت لاسمها من حضور دولي لافت وما قدمته لشعبها من تسخير كل ما لديها لرفاهيته وازدهاره.
ورغم الإصرار على تشويه صورة الإمارات والتحريض على مقاطعتها، فإن تلك المحاولات كما كان متوقعاً مُنيت بالفشل الذريع؛ لأن الإمارات بلد مضياف ومنفتح على الثقافات الأخرى؛ ما جعلها حاضنة للإبداع ومقصداً للمبتكرين ورواد الأعمال لأكثر من 200 جنسية. أذكر أنه خلال جلسة في مؤتمر مبادرة الاستثمار في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان «لو ننظر للشرق الأوسط، كانت الدول التي تعمل بشكل جيد تعتمد على النفط. لكن أتى رجل في التسعينات أعطانا نموذجاً أننا يمكننا أن نقدم أكثر: هو الشيخ محمد بن راشد الذي رفع السقف». هذه شهادة من القائد محمد بن سلمان، عرّاب «رؤية 2030» الذي صنع ثورة ثقافية واجتماعية واقتصادية في بلاده. ومع زخم المشاريع والتحولات والمنجزات المهولة التي تشهدها السعودية اليوم تجدهم يقولون وبتواضع: ما ترونه حتى الآن سوى البداية فقط.
هؤلاء رجالات دولة وزعماء يقودون بلدانهم إلى المكانة التي تليق بها، ولا غرابة أن تستحوذ أبوظبي والرياض ودبي ونيوم والعُلا على اهتمام العالم كمواقع ملهمة وعناوين جذب لافتة في الإعلام الغربي. الحقيقة أننا لسنا في حاجة إلى القول إن العلاقات السعودية - الإماراتية راسخة ومتجذرة وأخوية وعميقة، والتاريخ يحكي عن علاقة استثنائية ومميزة بين قيادات البلدين وشعبيهما، عززتها روابط الدم والمحبة والإرث والمصير الواحد والتفاهم المشترك، وأسس دعائمها الراحلان الزعيمان الملك فيصل والشيخ زايد بن سلطان - رحمهما الله - واستمرت في نمو مطرد إلى يومنا هذا في عهد الملك سلمان والشيخ خليفة آل نهيان؛ ولذا أصبح التحالف السعودي - الإماراتي ركيزة أساسية للعمل الخليجي والعربي، والرافعة التي تسعى لحماية مصالح العرب وأمنهم القومي.
السؤال الذي يتبادر للذهن: ما الغاية من هذا التحريض وما سبب هذا التهجم؟ ببساطة هي أجندة سياسية دعائية (بروباغندا) تصب في خانة الضغوط تزامنت مع تقاطع مصالح لأطراف وجماعات ودول في المنطقة بالتعرض والتركيز على الإمارات؛ لأنهم لا يتفقون مع السياسة الإماراتية؛ بدليل إمعانهم في تشويه أي منجز إماراتي. حملات مكشوفة رخيصة متوالية ساهمت فيها وسائل إعلام تقليدية وإلكترونية وممولة من أطراف وجهات معروفة، سواء دول أو حركات الإسلام السياسي بهدف تشويه الوضع القائم واختلاق قصص، وكلها أساليب وأدوات للتجييش والتأليب والتأجيج لأجل تنفيذ أجندتهم؛ فضلاً على تضليل الرأي العالمي عما يحدث حقيقة من تحولات إيجابية داخل الإمارات.
حملات التضليل هذه مسيّسة، وبالتالي كان مصيرها الفشل بلا أدنى شك؛ لأن المتاجرة بمواقف سيادية واستغلالها يعكس حالة من الإفلاس السياسي. مهما اشتدت ضراوة الهجمات والحملات على الإمارات بهدف إشغالها في الداخل وإضعاف دورها المحوري الخارجي، فإنها لن ترضخ ولن تتراجع عن خططها ومواقفها وبرامجها وإرثها، ولن تساوم على كرامتها وتاريخها، ولا هي في وارد السماح لكل من هب ودب بالمساس بسيادتها.
منذ عقود وبعض دول الخليج تتعرض لسيل من الشتائم والتخوين وحرق الصور والتجريح من فئات معينة ومعروفة بتوجهاتها رغم الدعم اللامحدود الذي قدمته تلك الدول على الصعد كافة. كما أن تآمر «الإخوان» على دول الخليج معروف وموثق؛ كونهم لا يعترفون بالدولة القومية، وينظرون للشعوب على أساس أنهم رعايا في دولة الخلافة، لكن تمكنت دولة الإمارات من إجهاض مؤامرتهم والقبض على الرؤوس المدبرة وكشف مخططاتهم.
بعد سنوات طويلة من الصمت الخليجي وتحمّل الإساءات والاستفزاز وتلمس العذر لهم عند كل تجاوز من أجل القضية الفلسطينية التي بذلوا لها كل ما يمكنهم من تقديمه من جهد ومال وعلاقات وترتيبات، إلا أن الأمور بلغت حدها وكان من الطبيعي أن تبحث تلك الدول عن مصالحها، ولا يعني هذا التخلي عن القضية أو الشعب الفلسطيني الذي يستحق قيادة وطنية بعيدة عن الحزبية والأدلجة. الموقف الخليجي الأخير في أبوظبي والمنامة بشأن السلام مع إسرائيل ليس طارئاً؛ فهو موقف سيادي أولاً ودُرس بعناية ثانياً، ويُعبّر عن نفسه بامتياز؛ لأن تضحيات دول الخليج ومعاناتها الطويلة التي بذلتها لم تجد رد الجميل عليها سوى الطعن في الظهر.
على أي حال، تغير موقف دولة ما إزاء قضية معينة لا يعد خطأً أو تجاوزاً، بل هو من حقوقها السيادية المشروعة ويعكس بجلاء قدرتها في التعاطي السياسي. اليوم، ربما لا تجد دولة تتمسك بموقفها إزاء قضية ما على الدوام لتغير الظروف والمعطيات والنظام الدولي برمته. تغير المواقف السياسية أمر متصور ومقبول في العمل السياسي، بل وأحد مفاعيله؛ فتغيير الآراء في عالم السياسة أمر طبيعي ومن صلب أدواتها، فهي ليست نصوصاً مقدسة، بل لها القابلية للتغيير والمرونة؛ فالعبرة بتحقيق المصلحة، وهي المعيار في نهاية المطاف.
خمسون عاماً مرت على نجاح تجربة اتحاد الإمارات التي أرسى قواعدها المؤسسون بقيادة الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان؛ ليثمر سلسلة من محطات الإنجاز والفرادة والتنمية عبر عمل جاد وتفانٍ؛ ما جعلها محط إعجاب العالم، وما زالت المسيرة الإماراتية تمضي بثبات وتفاؤل وطموح نحو المستقبل.