راجح الخوري
كاتب لبناني
TT

فيينا: عضٌّ على الأصابع النووية!

الثلاثاء الماضي، توقفت المفاوضات النووية التي تجري في فيينا حتى الأسبوع المقبل، في إشارة جديدة ضمنية إلى أن هذه المحادثات ما زالت تراوح تقريباً عند الشروط الأميركية التي ترفضها طهران، وعند الشروط الإيرانية التي ترفضها واشنطن. صحيح أن المبعوث الروسي إلى المفاوضات ميخائيل أوليانوف سفير روسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة النووية يقول إن اللجنة المشتركة لخطة العمل الشاملة عبّرت عن الارتياح للتقدم المحرز في المفاوضات، لكن ما سبق أن أعلنته موسكو الأسبوع الماضي، هو أن المطلوب أولاً عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، قبل البحث في مسألة الصواريخ الباليستية، وقبل الحديث عن سياسات إيران في المنطقة.
طبعاً يبدو هذا الإعلان نوعاً من الرد أو الضغط الروسي على المواقف الأميركية، التي تتهم موسكو بالإجرام، في قضية المعارض الروسي السجين أليكسي نافالني، وخصوصاً بعدما حذّر أطباء من موته خلال أيام، وكان هذا منطلق توجيه الرئيس جو بايدن الاتهام إلى الرئيس فلاديمير بوتين شخصياً الأسبوع الماضي. ويقول أوليانوف إنه يجب التمييز بين إحياء الاتفاق وإعادة تنفيذه، لأن تفعيل الاتفاق يقتضي من الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق دائم، وربما لأسابيع عدة في أحسن السيناريوهات، حيث الصعوبات كثيرة.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة كررت دائماً أنه من الضروري ألا يشمل أي اتفاق المسألة النووية فحسب، بل قضية تطوير الصواريخ الباليستية وتدخلات إيران في المنطقة لزعزعة الأوضاع، وفي هذا السياق بدا أن المندوب الصيني كمن يحاول أن يقدم حلاً وسطاً، عندما قال إنه تجب مناقشة الملف الإقليمي بشكل منفصل عن الملف النووي.
ترأس الاتحاد الأوروبي المفاوضات على «طريقة رودس»، أي من فندق إلى فندق؛ حيث يقيم الوفد الإيراني في فندق، والوفد الأميركي في فندق آخر، ويرفض الطرفان تقريباً أي لقاء أو حوار مباشر بينهما، ولهذا يبدو أن جولتي المفاوضات غير المباشرة بلا أي نتائج ملموسة، رغم التصريحات المفعمة بالتفاؤل، ولهذا يرى الاتحاد الأوروبي الذي يدير المفاوضات غير المباشرة، رفع المفاوضات لمراجعة الأطراف مواقفها، على أن تعقد جلسة ثالثة الأسبوع المقبل، في وقت قالت مصادر في وفد الاتحاد الأوروبي: «إن الحلول العملية لا تزال بعيدة». ذلك أن الإيرانيين يصرون على رفع العقوبات قبل العودة الاتفاق، بينما يتمسك الأميركيون، كما أوضح مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن تبدأ إيران بالامتثال لبنود الاتفاق قبل رفع متدرج للعقوبات، يرتبط في النهاية بمسألتي تطوير الصواريخ والسياسات المخربة في المنطقة.
وقال سوليفان لشبكة «فوكس نيوز» إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات إلا في حال توافر لديها وضوح وثقة بأن إيران ستعود إلى الامتثال الكامل بالتزاماتها، وأنها ستقيّد برنامجها النووي، لكن من المعروف أن إيران سرّعت أخيراً في التراجع عن بنود اتفاق 2015 عندما رفعت أولاً مستوى التخصيب إلى 20 في المائة، علماً بأن الاتفاق كان قد حدّد النسبة بـ3.67 في المائة فقط، وربما لهذا قال عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية الإيراني: «إن الاختلاف في وجهات النظر لم ينتهِ بعد، وهناك خلافات يجب تقليصها في المفاوضات المقبلة».
ورغم التقارير التي تحدثت عن رفع المحادثات إلى الأسبوع المقبل، كان واضحاً أنه على عكس ما تردد، لم يتم أي تقدم جاد بين الموقفين، ولهذا فإن أطراف فيينا أعلنت تشكيل لجنة جديدة لبحث تسلسل الخطوات لإحياء الاتفاق، وتسلسل الخطوات يعني من يبدأ بالامتثال أولاً، أو من يعود إلى الاتفاق الذي تربطه واشنطن بالصواريخ والملف الإقليمي.
في موازاة محادثات فيينا، كان واضحاً أن طهران تمضي في التصعيد بهدف الابتزاز، وهكذا استهدفت 5 صواريخ نهاية الأسبوع الماضي «قاعدة بلد» التي تضم أميركيين، والواقعة شمال العاصمة العراقية، أصاب اثنان منها منشآت أميركية، والمعروف أنه تتمركز في هذه القاعدة مقاتلات من نوع «إف 19»، وهو ما بدا أنه رسالة إيرانية إلى الولايات المتحدة عبر جماعة «الحشد الشعبي».
لكن الضرب في الخواصر لم ينتهِ، بل يحاول الابتزاز في محادثات فيينا، وعشية المفاوضات، رصد القمر الصناعي «مكسار لتكنولوجيا الفضاء»، أن عمليات توسعة منشأة نطنز تجري بسرعة، ثم جاءت عملية الهجوم على المنشأة المذكورة، والتي قيل إنها دمرت 1000 وحدة للتخصيب، لتدفع النظام الإيراني إلى التصعيد أكثر للتأثير على محادثات فيينا، رغم إعلانها أن العملية عمل تخريبي تقف إسرائيل وراءه، لكنها أعلنت عن البدء برفع نسبة التخصيب إلى 60 في المائة، ما يجعلها أقرب من أي وقت مضى إلى نقاوة 90 في المائة، وهو المستوى الذي يمكن استخدامه لأغراض عسكرية.
ورغم أن التلفزيون الإيراني بثّ تقريراً يكشف عن هوية ما وصفه بـ«مدبر التخريب»، وأن اسمه محمد رضا كريمي، وأنه سافر جواً من طهران بعد الانفجار، فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده حمّل إسرائيل المسؤولية، لكنه اتهم الولايات المتحدة بالعمل على إفشال المحادثات في فيينا، ونسبت الوكالات إلى معارضين إيرانيين أن هناك في الداخل من سهّل دخول كريمي إلى المنشأة، عندما فتح له الأبواب من الداخل لينفذ عمليته.
على خلفية كل هذا، لا يخالف البعض في القول إن ما يجري في فيينا بعد الهجوم على قاعدة بلد، وعلى منشأة نطنز، وبعد تصعيد التخصيب الإيراني، إنما هو عضّ أميركي إيراني على الأصابع النووية، وخصوصاً أن إيران تؤكد بعد جولتي المفاوضات أن الولايات المتحدة تتمسك بتعليق العقوبات وليس بإلغائها.
يوم الثلاثاء الماضي، أعلنت «لجنة البحوث الجمهورية» في مجلس النواب الأميركي أنها تعدّ مشروعاً للضغط الأقصى ضد النظام الإيراني، برفقة وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وأن المشروع يسعى إلى توسيع العقوبات ومنع واشنطن من العودة إلى الاتفاق النووي. وقال مؤيدو المشروع، وهم من الجمهوريين، إن مشروع الضغط الأقصى هدفه منع إيران من حيازة أسلحة نووية وصواريخ باليستية، وإن على النظام الإيراني أن يكفّ عن تمويل الإرهاب الدولي.