حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

من درس أفغانستان تعلمت سوريا

بالتأكيد، هناك أوجه شبه كثيرة بين الجهاد في أفغانستان لتحريرها من الاحتلال السوفياتي والقتال في سوريا لتحريرها من النفوذ الإيراني، لكن هل ثمة جديد في طريقة تعامل العلماء والشعوب العربية مع الجهد القتالي في سوريا؟ الجواب: بالتأكيد نعم، فتجربة الجهاد الأفغاني والاقتتال المرير والمدمر بين فصائل الجهاد الأفغاني الذي أعقب انسحاب القوات السوفياتية وتحول بيئة أفغانستان إلى رحم ولود لحركات جهادية متشددة مثل «القاعدة» التي تولت تجنيد شباب صاروا مصدر خطر على مجتمعاتهم، هذه الأعراض الخطيرة للجهاد الأفغاني جعلت التوجس والترقب سمة الموقف من القتال في سوريا، ومن ثم اصطبغت على موضوع «النفير» لإسقاط النظام.
إن مواقف العلماء والدعاة وطلبة العلم أمست أكثر جرأة في فرز فصائل القتال بسوريا والتحذير من الفصائل المتشددة منها التي انصرفت للاقتتال الداخلي، واتسمت بالتساهل الشديد في موضوع الدماء ونصب المشانق وساحات الإعدام للمخالفين لهم في ساحة القتال، وهذه بالذات كانت خلال الجهاد الأفغاني منطقة محظورة، وكانت الأصوات القليلة التي تحذر من بعض فصائل الجهاد الأفغاني توصف بالمخذلة والطاعنة للجهاد في ظهره، مما جعل بعض العلماء والدعاة يهمسون بهذه المواقف الناقدة في الغرف المغلقة فقط، فكان هذا السكوت حينها أحد الأسباب في قوة هذه الحركات المتشددة، ثم وقوع شبابنا في براثن غلوها وإرهابها.
ومما عزز عدم جدوى المشاركة القتالية في سوريا تأكيد قادة المعارضة السياسية والعسكرية السورية، عدا التنظيمات الدائرة في فلك «القاعدة»، عدم الحاجة للجهد البشري الأجنبي في الاقتتال الدائر هناك، وثانيا «تلوث» معركة الإطاحة بالنظام بتنظيمات قاعدية دموية وجدت في البيئة السورية فرصتها للعودة للساحة مجددا، بعد أن غطى عليها وهج الحراك العربي، وبعد أن تناقص رصيدها بتلوث أيديها بدماء معصومة لم تسلم منها أغلب الدول العربية.
الساحة العربية في أمس الحاجة إلى كل جهد وصوت لقطع الطريق على الحركات القاعدية في سوريا لتجنيد مزيد من الشباب، وليس أقدر من العلماء والدعاة وطلبة العلم على توصيل هذه الرسالة المهمة، والمؤسف أن دخول حركات الغلو، «القاعدة» و«داعش» ومن دار في فلكهما، في معركة إسقاط النظام السوري قد شوه الموقف وأربكه كثيرا وجعل أكثر الناس تعاطفا مع الشعب السوري ضد نظامه الدموي قلقا على مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد إسقاط النظام، وقلقا على الدول التي سيرجع إليها شبابها الذين شاركوا في العمليات القتالية وأصيب بعضهم بعدوى تلك الحركات المتشددة.
مواقف العلماء والدعاة التي تزجر الشباب عن المشاركة في القتال بسوريا رصيد بالغ الأهمية في مقاومتنا للإرهاب الذي يشهد انتعاشا على الثرى السوري، وهي علاج ضروري لمرض لو تركناه يستشري لترك أثرا كارثيا على سوريا ودول المنطقة، فليس من المصلحة تصعيد الجدل حولها وتوسيع رقعة الخلاف في وقت تتحد فيه قوى الشر المتربصة بشعب سوريا رغم الاختلافات الآيديولوجية بين تلك القوى الشريرة.
[email protected]