تيريز رافائيل
TT

تقليص الضرر الاقتصادي لـ«بريكست»

كسر حزب العمال المعارض داخل المملكة المتحدة حالة الصمت التي التزمها طوال ثلاثة شهور حيال «بريكست»، ليتهم الحكومة بإخفاء أدلة بامتناعها عن نشر تقييم للتداعيات الاقتصادية لـ«بريكست». وأشارت وزيرة شؤون مجلس وزراء الظل، راشيل ريفيز، إلى أن مكتب مسؤوليات الموازنة يقدر أن الخروج من الاتحاد الأوروبي قلص إجمالي الناتج المحلي لبريطانيا بمقدار 0.5 في المائة خلال الربع الأول من 2021، وسيؤدي إلى تراجع بنسبة 4 في المائة في إنتاجية المملكة المتحدة على امتداد فترة أطول.
ويعد هذا التقدير الأخير الأكثر إثارة للقلق، فمن دون تحسين مستوى الإنتاجية، سيواجه الاقتصاد صعوبة في التوسع بسرعة كافية. جدير بالذكر أن تراجع نمو الإنتاجية في بريطانيا - الذي وصفه مكتب الإحصاءات الوطنية بأنه «غير مسبوق خلال حقبة ما بعد الحرب» - أصاب البلاد منذ الأزمة المالية. وقد جرى بالفعل كثير من المناقشات حول أسبابه، وكذلك بعض الجداول حول كيفية قياس الإنتاجية، لكن عدم ملاءمة الاستثمارات والمهارات والبنية التحتية تتشارك في كثير من اللوم.
فيما يخص رئيس الوزراء بوريس جونسون، من الصعب تخيل أولوية اقتصادية أعلى عن هذه المسألة، خصوصاً أن مزيداً من التردي في الإنتاجية سيكون من شأنه تقويض التحديين اللذين يجابههما بعد الجائحة: إصلاح التباينات الاقتصادية الإقليمية وإنجاز هدف تقليص الانبعاثات الكربونية لتصل إلى مستوى الصفر. ومع ذلك، ربما لا تكون الأوضاع في حقيقتها بالسوء الذي تبدو عليه.
ظاهرياً، يزيد «بريكست» من صعوبة حل المشكلة، ذلك أن التجارة تحسن الإنتاجية عبر قنوات عدة: الواردات تعرض الشركات المحلية لمنافسة متزايدة وتفرض تحسينات على المنتجات والخدمات. كما أن الشركات المستوردة تحصل على إمدادات أفضل من أجل سلعها. وتتعلم جهات التصدير من عملائها بالخارج، وتجبر المنافسة المتزايدة الشركات غير الفاعلة على الخروج من السوق.
من جهته، خلق «بريكست» عبئاً تمثل في الحواجز غير التعريفية الجديدة - أمور من عينة الضوابط الجمركية وفحوصات الصحة والصحة النباتية (ضمان سلامة تجارة النباتات والحيوانات) وقواعد المنشأ.
ويقدر مكتب مسؤولية الموازنة أن التجارة ستتراجع بما يصل إلى 15 في المائة بسبب «بريكست»، وتتوافق التوقعات المثيرة للجدل الصادرة عن المكتب بخصوص الإنتاجية مع تحليل صدر في ظل حكومة تيريزا ماي عام 2018.
ورغم هذه التقييمات المظلمة، يبقى سببان للتفاؤل. يقدر مكتب مسؤولية الموازنة أن خمسي التراجع الذي ضرب إجمالي الإنتاجية جراء «بريكست» وقع خلال الفترة التي أعقبت استفتاء عام 2016، عندما قلص المستهلكون إنفاقهم وتراجعت مستويات الاستثمار.
أن الصورة الفعلية ربما لا تكون بالسوء الذي يوحي به مكتب مسؤولية الموازنة. من ناحيته، أعرب ديفيد فروست، الذي تفاوض حول اتفاق «بريكست» ممثلاً للمملكة المتحدة ويتولى منصباً وزارياً اليوم يشرف في إطاره على العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، عن اعتقاده خلال محاضرة ألقاها العام الماضي بأن تأثير الحواجز غير التعريفية جرت المبالغة فيه.
ربما أنت تتوقع أن يسعى فروست للتقليل من خطورة أي تداعيات سلبية لـ«بريكست»، لكن السؤال هنا: هل لديه نقطة وجيهة في هذا الأمر. في هذا الصدد، قال جيفري وود، الخبير الاقتصادي لدى كلية إدارة الأعمال التابعة لجامعة سيتي: «تتسم العلاقة بين التجارة والإنتاجية بقدر كبير من التعقيد. من المحتمل أن تقع بعض التداعيات الضارة على المدى القصير، لكنها قد تأتي من الابتكار بسرعة أكبر من المعتاد. أيضاً، نحن لا نتحرك نحو أو بعيداً عن التجارة الحرة، وإنما نحو مزيد من التجارة الحرة مع البعض وقدر أقل من التجارة الحرة مع بعض آخر - أبرزهم الاتحاد الأوروبي».
وباعتبارها عضواً غنياً في الاتحاد الأوروبي، لم يكن لدى المملكة المتحدة حافز كبير لحل معضلة الإنتاجية لديها. وبالفعل، تشكل الإنتاجية عنصراً محورياً في نجاح أجندة جونسون، ويبدو أنه يدرك هذا الأمر. كما أنها مثلت عنصراً محورياً في خطابه أمام مؤتمر حوب المحافظين عام 2019. ويفسر ذلك النهج الذي تتبعه حكومته تجاه الإنفاق العام. وتهدف جميع الاستراتيجيات الجديدة، بما تحمله من التزامات ضخمة تجاه البنية التحتية الوطنية والمهارات والتدريب وتعزيز الاستثمارات والابتكار، إلى حل هذه المشكلة.
وتكمن المشكلة الكبرى في التنفيذ، خصوصاً أن الموارد والاهتمام الحكومي محدودان، بينما هناك كثير للغاية من المطالب المرتبطة بموازنة ما بعد الجائحة الآخذة في الانتفاخ. المؤكد أن بناء الطرق والمنازل وخدمات السكك الحديدية، وتحسين مستوى التعليم والمهارات لبناء قوة عمل حديثة، يستغرق وقتاً كي يترك تأثيراً ملموساً. المؤكد أن «بريكست» يزيد مسألة الإنتاجية تعقيداً، لكنه على الأقل يزيد إلحاحية الاهتمام بالمشكلة.