فرانسيس ويلكنسون
TT

حتى مؤسسو أميركا أصيبوا بخيبة أمل منها

قبل وفاته في عام 1799، كتب جورج واشنطن يقول إن أمته الفتية قد سممتها الميول الحزبية لدرجة أنه إذا قام الجمهوريون برفع عصا مكنسة على أنها إحدى «مكاسب الحرية الحقيقية»، فإن تلك العصا «ستكون سبباً في حصولهم على الأصوات الانتخابية بالكامل».
في عام 1776، قبل أن تتعمق شكوكه، كان الأب المؤسس والحقوقي والدبلوماسي والكاتب جون آدمز قلقاً بالفعل من انتشار ما وصفه بـ«النذالة، والفساد، والجشع في الربح والتجارة بين جميع طوائف الرجال»، مضيفاً: «حتى في أميركا، أشك أحياناً في وجود فضيلة كافية لدعم الجمهورية». أما بالنسبة لمؤلف إعلان الاستقلال، فقد كان توماس جيفرسون في نهاية حياته عجوزاً غريب الأطوار كثيراً ما أثارت نقاشاته الجدل حول نظام العبودية.
في كتابه الجديد، «مخاوف من غروب الشمس: خيبة أمل مؤسسي أميركا»، يتعامل دينيس راسموسن مع شكوك جيل الآباء المؤسسين العميقة والدائمة حول تجربتهم. فقد قابلت المؤلف، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيراكيوز، عبر الإنترنت في وقت سابق إذ سألته: كتابك يدخل مجرى الدم السياسي في وقت تُثار فيه الشكوك حول قدرات الديمقراطية الأميركية. هل ينبغي دعم الديمقراطيين الصغار بروايتك بشأن شكوك الآباء المؤسسين، بل وحتى اليأس من آفاق حكومة جمهورية؟ أم أن افتقارهم إلى الثقة هو مجرد دليل إضافي على أن دعائم الديمقراطية متهالكة بطبيعتها؟ فأجابني: يمكن للمرء أن يأخذ خيبة أمل المؤسسين في أي من الاتجاهين. فمن ناحية، لا تزال أسباب قلقهم العميقة - الحزبية المتطرفة والحكومة الفيدرالية غير الفعالة والافتقار إلى الفضيلة المدنية والانقسامات القطاعية داخل البلاد - معنا إلى حد كبير. فكونهم كانوا هنا منذ البداية يشير إلى أنه من غير المحتمل أن يرحلوا في أي وقت قريب. ومن ناحية أخرى، فقد صمد الدستور لأكثر من 230 عاماً رغم تلك المشكلات، مما يشير إلى أنهم أقل احتمالية لتدمير الجمهورية مما نخشى في كثير من الأحيان.
أنا شخصياً أميل إلى وجهة النظر الأخيرة. هناك بعض الراحة (الساخرة) في حقيقة أن الآباء المؤسسين عبروا عن مخاوف مماثلة لقلقنا، ومع ذلك فإن النظام الدستوري الذي أنشأوه أثبت أنه أكثر ديمومة مما توقعوه هم أنفسهم.
قلت له: بدا أن الحزبية الشديدة في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر في عهد الرئيس جون آدامز والاتهامات بالمكائد المحلية والخداع الأجنبي قد أثارت قلقاً عاماً بين الجيل المؤسس. فحتى جورج واشنطن استسلم، داعياً جمهوريي جيفرسون بـ«السرطان». ومع ذلك، سرعان ما أفسحت هذه المنافسة الشرسة المجال لفترة من هيمنة الحزب الواحد (ودولة واحدة) تحت حكم جيفرسون وماديسون ومونرو. كيف تراجعت الفقاعة الحزبية - وادعاء الفيدراليين بالسلطة - بهذه السرعة؟
لكن لا يبدو جيفرسون بذلك النشاط والتفاؤل في روايتك كما هو الحال في مسرحية «برودواي»، لكنه أيضاً لا يبدو أنه أصبح أكثر وعياً بذاته، وأصبحت ولاءاته الحزبية الضيقة أكثر إثارة للقلق مع اقتراب الحرب الأهلية. هل انجرف الشاب جيفرسون بعيداً برحلته الخطابية؟ أم أن جيفرسون العجوز فقد خيط الثورة الذي ساعد هو في إشعالها؟
قال لي: أخشى أن جيفرسون - خصوصاً جيفرسون الأكبر سناً – لم يُقدم بشكل جيد في الكتاب. فخلال غالبية فترات حياته كان بارعاً في غض الطرف عن أي شيء في العالم الحقيقي لا يريد أن يكون جزءاً منه. (انظر: الثورة الفرنسية). أعتقد أن مثاليته المبكرة كانت حقيقية، وهذا أحد الأسباب التي جعلت خيبة أمله في نهاية المطاف من السياسة الأميركية عميقة للغاية. لا أعرف ما إذا كان سيصبح من محبي قناة مثل «فوكس نيوز»، ولكن بنهاية حياته اعترف بأن الصحيفة الوحيدة التي قرأها هي «ريتشموند إنكوايرر»، التي كانت مؤيدة بشكل دوغمائي للجنوب. إلا أنني بادرته: يبدو أن جون آدامز فريد بين الآباء المؤسسين البارزين في إصراره على أن الخطأ الحقيقي للجمهورية كان ندرة «الفضيلة» بين الناس أنفسهم. فبالنظر إلى الافتقار إلى الشجاعة الأخلاقية والإرادة السياسية لمواجهة العبودية - التي اعترف غالبية المؤسسون أنها بغيضة ومدمرة - كان آدامز على حق، أليس كذلك؟
قال: افترض ذلك. ولكي نكون واضحين، لم تكن العبودية مصدر قلق آدامز الرئيسي. فقد كان يعارض العبودية بالطبع، لكنه قال دائماً إن المشكلة «كبيرة جداً» بالنسبة له، وأنه سيتركها للجنوبيين للتعامل معها. كان مصدر قلقه بالأحرى أن الناس لن يقدموا دائماً الصالح العام على المصلحة الخاصة، ولن يكونوا موظفين عموميين مخلصين مثل آدامز نفسه. ولكن بالنظر إلى أن معظم الناس في ذلك الوقت أدركوا أن العبودية كانت أحد أكبر التهديدات طويلة المدى للجمهورية، فإن فشلهم في معالجتها بطريقة ذات مغزى يمكن أن يُنظر إليها على أنها افتقار للوطنية.
لكني سألته: يظهر جيمس ماديسون، الذي صُمم نظامه الدستوري خصيصاً لمعالجة النقص، باعتباره أكثر المؤمنين ثقة في ديمومة الجمهورية. فبينما نقوم بتقييم الآفاق الديمقراطية لأميركا في القرن الحادي والعشرين، هل يجب أن نكون مثل ماديسون أو أكثر مثل الآباء المؤسسين القلقين؟ فأجابني: سؤال رائع هو كيف أن الصراع الحزبي الذي وصل إلى ذروته في عام 1798، خلال الفترة الشبيهة بالحرب مع فرنسا، اختفى بعد بضع سنوات فقط. (يرغب الكثيرون في رؤية شيء مشابه يحدث اليوم). كانت هناك ثلاثة عوامل مهمة على الأقل في العمل: (1) تمرير قوانين الأجانب والتحريض على الفتنة، التي كانت جزءاً لا يحظى بشعبية كبيرة من التشريع الفيدرالي، (2) شراء لويزيانا، الذي كان إنجازاً جمهورياً ذا شعبية كبيرة، و(3) انشقاق بين «الفيدراليين الكبار» لألكسندر هاملتون وجون آدامز وأتباعه الأكثر اعتدالاً.
قلت له: لقد تفاوتت مخاوف المؤسسين بحسب المزاج والآيديولوجيا. كان هاملتون منزعجاً من الحكومة المركزية الضعيفة، التي اعتبرها جيفرسون بدوره عملاقاً مبالغاً فيه، وما زلنا نكرر هذه الحجج عبر التاريخ. في نسختنا الحالية، نغطي حرباً ثقافية شرسة. لكن حتى بذور صراع ثقافتنا كانت واضحة بين المؤسسين، أليس كذلك؟ فعلق قائلاً: بالتأكيد. اعتبر جيفرسون والجمهوريون الفيدراليون نخبويين - وحتى ملكيين - أرادوا رفع سلطة القليل من المال على عامة الناس، بينما اعتبر هاملتون والفيدراليون الجمهوريين كيعقوبيين عازمين على تأسيس حكم الغوغاء. أعتقد هاملتون أن صورة جيفرسون الذاتية كرسول للمزارعين المتواضعين كانت منافقة رسمها ملاك العبيد الأثرياء ذوي العلاقات الوثيقة.