حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

نهايات وبدايات!

في العقود الثلاثة الأخيرة تحديداً، انتشرت وبشكل مركز وواضح المقالات والكتب والندوات والمنتديات التي كانت تستشرف وتبشر بنهايات حقب بعينها، وأطلقت على هذه الظاهرة «النهايات»، فخرجت علينا كتب تحمل عناوين مثيرة وجذابة ولافتة مثل: «نهاية التاريخ والرجل الأخير» للكاتب الأميركي فرنسيس فوكوياما، والذي جاء بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وكان من خلاله يحتفل بانتصار الغرب ونموذج الليبرالية الديمقراطية، وكتاب آخر بعنوان «نهاية النفط» للكاتب الأميركي بول روبرتس، والذي توقع فيه نهاية عصر النفط تماماً ودخول العالم مرحلة جديدة يتخلى فيها عن السلعة الأكثر تأثيراً على اقتصاد العالم.
آخر أثار جدلاً مهماً وقت صدوره بعنوان «نهاية العولمة» للكاتب آلان جرومان، أشار فيه إلى أن حقبة العولمة انتهت وأن حقبة جديدة حلت مكانها تطغى عليها لغة انعدام الثقة والعنصرية والحمائية، وارتفاع القيود والحدود الذي يعوق حراك الشعوب ويضيق على حرياتهم بشكل لا يمكن إنكاره. وكتاب «نهاية الإيمان» للفيلسوف وعالم الأعصاب الأميركي سام هاريس، والذي يقول فيه إن ثقة العالم في رجال الدين اهتزت، وتم ربط أسماء العديد منهم بالتطرف، وإن المرحلة القادمة ستكون لصالح العلم والمنطق. هذه مجرد عينات من الكتب التي طرحت حجتها تتوقع وتستشرف فيها «نهايات» معينة، وهناك الكثير من العناوين الأخرى التي تتوقع نهايات أخرى للتعليم والحرية والنقد الورقي وغير ذلك.
من الطبيعي أن تكون إحدى أهم الملحوظات على هذا النوع من الطرح أن فيه «بعض المبالغة الشديدة جداً» وأن ما توقعوه لم يحصل في نهاية المطاف، إلا أن ما يحسب لهم هو إثارة مواضيع حرجة ومهمة وإلقاء الحجارة في المياه الراكدة، ورفع رايات الإنذار والتحذير بما هو آت، إلا أنه على ما يبدو أننا الآن نعيش حقبة «البدايات»، فالثورة العلمية التي ولدت بعدها ثورة الاتصالات الهائلة تحدث التغيير تلو الآخر في حياة الناس لتؤكد لنا معالمها أننا على مشارف مرحلة جديدة من البشرية، مرحلة بطلها هو الذكاء الصناعي، الذي سيزيد من قدرات الآلات بشتى أوصافها ووظائفها بحيث تستطيع التفكير واتخاذ القرار، كما أن طرح فكرة زراعة الشرائح الإلكترونية الذكية في أجساد البشر بدأت في التبلور، وستصبح في الوقت القريب جداً أمراً واقعاً لا مفر منه، ما يعني تقارباً غير مسبوق بين الآلة والإنسان، وتأسيساً لمنظومة جديدة سيكون لها انعكاسات هائلة وعظيمة على القوانين والأنظمة والتشريعات والحقوق المتعلقة بالحريات والخصوصية والعمل، وهي المسألة التي ستشكل تحدياً جاداً ومهماً للمفاهيم التقليدية المعروفة.
وقدم الكاتب الإسرائيلي المعروف يوفال نواه هاراري بعنوان: «هوموديوس لمحة تاريخية عن المستقبل» وهو الكتاب الأكثر مبيعاً، والذي حقق أرقاماً هائلة في التوزيع، وتمت ترجمته إلى الكثير من لغات العالم. وجاء هذا الكتاب بعد النجاح المهول للكتاب الذي سبقه وعرف باسم «هوموسيبين» وترجمته العاقل بالعربية، وفيه يسلط الضوء على التاريخ البشري للإنسان العاقل على كوكب الأرض.
في «هوموديوس» يصور هاراري عالماً جديداً تتحطم فيه أفكار وأساطير وسرديات أساسية وقديمة، أمام واقع جديد تفرضه قدرات مذهلة بذكاء صناعي غير محدود ملامحه الأساسية تعتمد على تطور وقدرات النقلات النوعية والمذهلة للشرائح والرقائق الذكية، وكذلك التطور السريع والمذهل الحاصل في مجالات الهندسة الوراثية التي ستنعكس على قدرات البشر في التعامل مع الأمراض، وعليه ستتحسن معايير جودة الحياة وطول عمر الإنسان، لكن هذا الطرح الجديد ليس كله وردي اللون والملامح، فهناك جانب سوداوي للغاية ومخيف جداً في نفس الوقت. فرأينا كيف من الممكن أن تؤثر خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي المعروفة مثل «فيسبوك» و«تويتر» في مسيرة ومصداقية ونزاهة المعركة الانتخابية الأميركية، وزيادة قدراتها في التجسس والرقابة على كافة أوجه الحياة لمستخدميها. كل هذه الأمثلة للمشهد المستقبلي من شأنها أن تطرح الأسئلة الصعبة التي تستحق الإجابة عنها. كيف ستتعامل الدول وحكوماتها مع تحدي إحلال الإنسان الآلي في موقع الإنسان، وأثر ذلك المخيف على معدلات البطالة، بالإضافة لتأخير سن التقاعد المتوقع وأثره في سوق العمل، بالإضافة إلى سؤال كيف ستتعامل الأديان مع تحدي الهندسة الوراثية القادم. إنه المستقبل القادم المليء بالتغيرات والتحديات.