علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

بيع يا آدمي

نحن في الأسبوع الأول من شهر رمضان المبارك، وأنتم أيها القراء الكرام لستم في حاجة إلى مادة اقتصادية، لأن الاقتصاد يرفع الضغط، سواء أكان سلباً أم إيجاباً، ولكني سأروي لكم قصة طريفة: يروي لي خالد العريفي عن والده، رجل الأعمال الشيخ إبراهيم بن سعد العريفي (رحمة الله) صاحب مؤسسة طرق؛ يقول خالد: في أثناء ارتفاع سوق الأسهم الأميركية في أواخر تسعينات القرن الماضي الميلادي، أقنعت والدي بالاستثمار في السوق الأميركية. ويتابع: اقتنع والدي، وذهبنا للبنك، وفتحنا محفظة له في السوق الأميركية، وتوكل على الله وبدأ بالشراء، وحينما انتهى مبلغ المحفظة غادرنا البنك.
نسيت أن أذكر لكم أن ابنه قد بدأ التعامل في السوق الأميركية قبله، وأن الأب لا يجيد الإنجليزية التي هي لغة السوق؛ يقول خالد: في كل أسبوع، يسألني والدي عن تطورات المحفظة. وبعد مرور 6 أشهر، وبعد سؤاله عن تطورات المحفظة، أخبرته أنها ارتفعت 50 في المائة. يضيف الراوي: نظر إلى والدي، وقال: غداً نذهب لنبيع المحفظة، وأنصحك يا بني أن تبيع كل ما لديك، وتخرج من السوق الأميركية. يستطرد الراوي ويقول: ذهبنا في الغد إلى البنك، وقال والدي للشاب المسؤول عن حسابه: بع يا بني كل المحفظة. ذهل الشاب وبدأ يلقي على مسامع والدي النصائح، وأن السوق في بداية الصعود، وأن المحللين يرون أن السوق لا تزال واعدة، فقال والدي: بع يا بني! يقول الراوي: كرر الشاب على والدي النصائح، وزاد عليها، فكرر والدي قوله: بع يا بني.
حاول الشاب أن يعيد النصائح على مسامع والدي، فقاطعه والدي: بع يا آدمي، وهي كلمة لطفتها عنه لعجزي عن كتابتها، ولكنه في الحقيقة قال له: بع يا أبا صابر، فما كان من الموظف إلا أن يبيع. وبعد أن فرغ والدي من بيع ما لديه، خرجنا من البنك. وعندما وصلنا المكتب، نصحني أن أبيع كل ما لديّ. يضيف الراوي: للأسف، استمعت إلى نصيحة موظف البنك -مع أن تصرف موظف البنك تصرف خاطئ، إذ لا يحق له أن يسدي النصائح، بل عليه تنفيذ أوامر أصحاب المحافظ، ومثل هذا الإجراء لو علم عنه البنك لعاقب الموظف.
ما الذي حدث بعد ذلك؟ انهارت السوق الأميركية، وربح الوالد وتعثر الولد؛ السؤال المطروح: كيف حدث هذا للوالد؟ الوالد يملك حاسة سادسة، وبتعبير أدق مهارة اكتسبها عبر السنين. فحينما دخل السوق الأميركية، كان يطمح بالحصول على 20 في المائة أو 25 في المائة مكسب في سنة، ولكنه حصل على ضعفها في نصف مدة الاستثمار المفترضة، فقرر البيع. وهنا تظهر المهارة؛ إنه على الرغم من عدم معرفته بلغة السوق، قرر أن يحافظ على المكسب، دون أن يدخل في مغامرة ربح تكثر مخاطرة.
لذلك يقول البسطاء حين يرون نجاح بعض رجال الأعمال إنهم يملكون معلومات داخلية قادتهم إلى النجاة، قد يكون هذا صحيحاً لدى بعضهم، لكن كثيراً منهم ينجو من الخسارة بسبب المهارة المتكونة من الخبرة. فحينما تتحقق أهدافك، اغتنم الفرصة، واخرج من السوق دون النظر لما ستكون عليه هذه السوق مستقبلاً. ودمتم.