يجلب الحشد العسكري للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية في الآونة الأخيرة، للساسة في الغرب حقيقة غير باعثة على الارتياح، مفادها: إن رغبت روسيا في خوض مغامرة عسكرية جديدة، فإن أوكرانيا ستكون تحت رحمتها لا محالة.
يستشرف الرئيس بوتين، الذي انتهز لحظة ارتباك دولي وضم شبه جزيرة القرم، فرصة مماثلة في الآونة الراهنة. ومع ذلك، هناك جملة من الأسباب الوجيهة التي تدعو إلى استنتاج أن ما يصبو بوتين إليه ليس المزيد من الأراضي الأوكرانية، وإنما الاحترام من جانب أميركا وجيرانه الأوروبيين لما يعتقده الرجل يصب في إمكانات تعزيزه لمصالح بلاده في الداخل والخارج.
بعد اتفاقات مينسك في عام 2015، يمكن لأحدنا الافتراض أن القيود الداخلية الروسية قد ثبطت من شهية بوتين للخوض في عملية عسكرية واسعة النطاق هناك. ولا تزال تلك الفرضية قائمة بدرجة معقولة حتى الآن.
تعكس تحليلاتي هذه تصاعد الأنشطة الاحتجاجية في روسيا بمقدار الضعف عما كانت عليه الأوضاع العام الماضي.
بيد أن تلاعب بوتين بالدستور حتى يخول لنفسه البقاء على سدة الرئاسة بصفة أساسية، أسفر عن تراجع أهمية القيود الداخلية المذكورة. ونظراً لأنه يعتبر نفسه من الشخصيات التاريخية المؤثرة، لم يعد بوتين يقلق على شرعية وجوده في الحكم. وهناك أنصار بوتين في وسائل الإعلام المتحذلقة الذين هم على أهبة الاستعداد السريع لتبرير التدخلات العسكرية الروسية في أوكرانيا، إن هم احتاجوا إلى ذلك.
من الواضح أن الكرملين غير عابئ تماماً بشأن فيروس كورونا وتداعياته في البلاد؛ إذ إن الإقلال من عدد الوفيات بين المواطنين ليس من الأولويات السياسية لدى الحكومة الروسية، كما أنه لا غرو لديهم في التلاعب بالأرقام الرسمية لأعداد الوفيات بين المواطنين. وعلى الرغم من معدلات التطعيم ضد الفaيروس المنخفضة نسبياً، فإن الاقتصاد الروسي بات في حالة من الانفتاح تشبه تلك المعهودة في بلدان قاربت على استكمال خطة التطعيم الكامل لمواطنيها. وعلى النقيض من ذلك، فإن البلدان الأوروبية، ذات الالتزام الجغرافي بالاهتمام والعناية بمستجدات الأوضاع على الأرض في أوكرانيا من بعض القوى الغربية الأخرى، منشغلة حتى النخاع راهناً بمجريات الفيروس والبطء الشديد الذي يخيم على عمليات توزيع اللقاحات. ومما يُضاف إلى ذلك، فإن بعض دول الاتحاد الأوروبي اعتمدت لقاح «سبوتنيك في» الروسي بالفعل في مواجهة الوباء. وعليه، فتلك اللحظات الراهنة هي الأسوأ على الصعيد السياسي للتدخل الأوروبي القوي في الأزمة الأوكرانية. ولننظر إلى البيان الفرنسي - الألماني «الواهي» المشترك الذي يدعو كل الأطراف المعنية بالمسألة الأوكرانية إلى التزام الهدوء وضبط النفس في الوقت الذي تنعدم فيه إمكانات التصعيد لدى الحكومة الأوكرانية نفسها.
كما أنها آونة غير باعثة على الارتياح بالنسبة للولايات المتحدة كذلك، لا سيما من زاوية اتخاذ قرارات السياسة الخارجية الكبيرة والسريعة بشأن الأزمة الأوكرانية.
ومحاولة حث الحلفاء في أوروبا على الخوض في غمار تحركات مشتركة على الأرض لن تؤدي إلا إلى مزيد من إنهاك التحالفات الضعيفة التي يرغب بايدن جدياً في ترميمها ورأب صدعها.
وعلى الرغم من الدعم المعنوي الذي حاول بايدن منحه إلى الرئيس الأوكراني زيلينسكي، فمن غير المرجح لواشنطن أن تحرك القوات العسكرية على الأرض إن بدأ بوتين بالهجوم.
وكان الرئيس زيلينسكي، الذي تحدث مع عدد من القادة الغربيين بشأن الحشود العسكرية الروسية، قد أبلغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مؤخراً ، أن عضوية أوكرانيا في حلف الناتو هي الوسيلة الوحيدة لضمان إنهاء الحرب في شرق أوكرانيا. غير أن الضمانات العسكرية الأميركية هي محض أوهام بالنسبة لدولة تعاني من عدم الاستقرار ومن الضعف العسكري مثل أوكرانيا.
ومع ذلك، فإن التحركات العسكرية الروسية على الأرض من المحتمل ألا تعكس نوايا الهجوم الوشيك لدى بوتين، تماماً كما يعتقد جنرالات الجيش الأوكراني بشأنها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»
7:44 دقيقه
TT
بوتين وأوكرانيا والحرب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة