طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

صورة الأردن لم تهتز

فور الإعلان الأردني عن عمليات إلقاء القبض على خلفية ما عرف بأزمة الأمير حمزة، سارعت بعض وسائل الإعلام، وإحدى الوكالات، للتعليق بأن صورة المملكة الهاشمية تهتز.
وهذا تعليق غير دقيق، فصورة الأردن لم تهتز بقدر ما أن الأحداث تذكرنا بعدة نقاط مهمة، وأولاها حكمة العاهل الأردني في التعامل مع الأزمة، وهو ما تجلى في الاحتواء السريع، وكعادة الملكيات العربية التي أثبتت ثباتها وعقلانيتها بأزمات المنطقة العاصفة.
الملكيات العربية، من السعودية، وإلى الأردن، مروراً بكل الملكيات، أثبتت مرونة، وحكمة، وشفافية، عند وقوع الأحداث، وفي الانتقال السلمي للحكم، وكذلك حل خلافات البيت الواحد، في حال حدثت.
شاهدنا ذلك فيما عرف بالربيع العربي، وها نحن نشهد هذه الحكمة في معالجة الأمور في الأردن، خصوصاً عندما أوكل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لعمه الأمير الحسن بن طلال للتعامل مع الشق العائلي بالأزمة.
وعليه، فإن أزمة الأردن هذه لا تعني اهتزاز صورة المملكة الهاشمية بقدر ما أنها تذكرنا بأن الملكيات العربية أثبتت حكمة، ومرونة، كما تذكرنا بأن تلك الملكيات، التي في جلها نموذج الاعتدال العربي، لا تزال مهددة بالاستهداف.
وهذا الاستهداف للملكيات العربية الصامدة في وجه المؤامرات، داخلياً وخارجياً، وصامدة في وجه الأزمات المفتعلة، وغير المفتعلة، إما لأسباب سياسية، وحروب كما في حرب الخليج الثانية، وتحرير الكويت بعدها.
أو الصامدة في وجه التمدد الإيراني، والمستمر طوال أربعة قرون، وكذلك موجة الإرهاب، وما قبل ذلك بكثير، أو من خلال تعاملها، مثل الحالة الأردنية، مع لاجئين، ونازحين، وأضف إلى كل ذلك الآن أزمة جائحة كورونا.
وأزمة الجائحة هذه تعصف بالعالم بأسره، من القوى العظمى أميركا، وحتى أفريقيا، مروراً بباقي العالم، وبالتالي فهي أزمة استثنائية لا يمكن أن تلام فيها دولة وحدها، أو أن تكون مبرراً لقلاقل وفتن مفتعلة.
وما سلف لا يعني أن الأردن، أو غيره من الملكيات بمنأى عن المطالبة بالإصلاح، والشفافية، ومحاربة الفساد، بل إن ما يحسب للملكيات هو كونها أكثر الدول العربية تطوراً، وإصلاحاً، بثبات.
من ينظر لحال السعودية، مثلاً، سيجد أنها ورشة عمل مفتوحة للإصلاح، والتطوير، والتحديث، بل وهي رائدة الشفافية العربية الآن في مكافحة الفساد، وعلى كل المستويات، ودون مواربة، أو تخفٍ، بل رصد وتشهير، وإعمال للقوانين والأنظمة.
وعليه، وبالعودة لموضوع الأردن، فإن الأزمة هناك عكست شفافية النظام، وعقلانيته، ووضوحه، وحكمة العاهل الأردني الذي وجد دعماً لا شك فيه، عربياً، وعلى رأسه دعم القيادة السعودية، وكذلك دعماً دولياً.
وعندما أقول حكمة العاهل الأردني فالمعروف أن الملك عبد الله الثاني رجل عقلانية، وحكمة، في معالجة الأمور، ومنذ تسنمه سدة الحكم. وتجلى ذلك في قضايا الأردن الداخلية، والخارجية.
وأقول تجلى لأن موقع الأردن الجغرافي بحد ذاته تحدٍ، سواء من ناحية العراق، قبل سقوط صدام، والفوضى التي تلت ذلك، وموجة الإرهاب، وكذلك من ناحية الحدود الإسرائيلية، وما يترتب على ذلك، وهذه قصة أكبر بحد ذاتها.