علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

المبادرة والرفض

لأنني مهتم بالاقتصاد فالسياسة في أحيان كثيرة لا تستهويني، ولقد تركت للمراقبين السياسيين متابعة أحوالها، ولكن السياسة مربوطة بالاقتصاد، والسياسة ذات تأثير بالغ الشدة على الاقتصاد، بل إن القول الصحيح هو «إن الاقتصاد نتاج السياسة»، فالقرارات السياسية إذا كانت صحيحة ضَمِنت استقرار البلد وعدم حدوث الفوضى فإن الاقتصاد يزدهر، أما إذا كان القرار السياسي متخبطاً أو مرهوناً بيد قوى خارجية فإن من الطبيعي أن ينهار الاقتصاد وتسوء حالة المجتمع، لذلك أنا أتتبع أحوال السياسة لارتباطها الوثيق بالاقتصاد.
بالأمس القريب أطلقت السعودية مبادرة وقف القتال في اليمن، وكانت تهدف لحماية أرواح الناس التي أسرف الحوثيون في إزهاقها، ومحاولة إعادة اليمن إلى المسار السياسي الصحيح لتتم إعادة بنائه وازدهار اقتصاده.
الحوثيون، ولأن قرارهم بيد الإيرانيين، رفضوا المبادرة متجاهلين حاجة الشعب اليمني إلى السلام، ضاربين بمقدرات البلاد واقتصادها عرض الحائط، فهم يدافعون عن بُعد عقائدي يريدون نشره لا عن وطن يريدون إسعاده.
اليمن أرض الحِكمة، كما يطلق عليها العرب، ولكن هذه الحكمة انحرفت عن المسار الصحيح حينما تدّخل الفارسيون، وللأسف فإن الحوثيين لم يستوعبوا الدرس الماثل أمامهم وليس المُغرق في التاريخ، فماذا أفاد تدّخل الفارسيين في العراق؟ هذا التدخّل أنتج التشرذم وانهيار اقتصاد العراق في بلد يتربع على نهريّن وثروة نفطية هائلة وشعب محب للعلم والإنتاج.
أمّا التدّخل الفارسي في سوريا فقد أنتج دماراً وقتلاً وتشريداً للشعب السوري الكريم، هذا البلد الذي اشتهر أبناؤه بأنهم من أهم روّاد التجارة في عالمنا العربي، والمهجر الأميركي يشهد لهم بذلك. وأمّا في لبنان فحدّث ولا حرج عن البؤس الذي يعيشه اللبنانيون، وكانت بيروت قبل التدّخل الفارسي تسمى باريس الشرق وعاصمة الفن والثقافة العربية، وهي الآن أسيرة حزب مرتهن ومرتبط بالفارسي.
وأمّا في التاريخ القديم فمن أهم شواهده ما فعله القرامطة من قتل الحجاج واستيلاء على الحَجَر الأسود ونقله من مكة، والشواهد أكثر من أن تُعدّ في تاريخنا الحديث والقديم، وما فعله الحوثيون هو تكرار للتاريخ، فهم لا يهمهم بؤس الشعب اليمني بقدر ما يهمهم نشر المذهب غير آبهين بالوطن واقتصاده. وما رفض المبادرة السعودية إلا دلالة واضحة المعالم على أن الحوثيين لا يريدون سلاماً لليمن فهم في حرب يعجزون عن تسيير دفّتها وهم يعرفون ذلك تماماً ومع ذلك يرفضون مبادرة السلام.
السعودية حينما طرحت مبادرة السلام لأنها تعرف أن الحرب لا تجر خيراً ولكنها قبلتها حينما أُجبرت عليها، والسعودية تمد يد السلام ولكن الحوثي يرفض المصافحة، فكم سيكلّف ذلك الرفض الاقتصاد اليمني من خسائر؟! وكم سيجرّ على الشعب اليمني العزيز من ويلات؟! ودمتم.