تيريز رافائيل
TT

معركة في ربوع أسكوتلندا

بينما يقترب موعد عقد انتخابات مهمة في مايو (أيار) في اسكوتلندا، تهدد المعركة الدائرة بين أليكس سالموند ونيكولا ستارجن بتقويض حركة الاستقلال الاسكوتلندية التي كرس لها كلا السياسيين مسيرته السياسية، في لحظة تحظى فيها القضية بزخم حقيقي.
وتبدو هذه أنباء سارة للغاية لبوريس جونسون، حتى وإن كان رئيس وزراء المملكة المتحدة لا يشارك في هذا القتال. المؤكد أنه بغضّ النظر عن أي إنجازات أخرى له، لن يكون التاريخ رحيماً في حكمه عليه إذا ما حدث انفصال اسكوتلندا عن المملكة المتحدة في عهده.
من الناحية الاسمية، يدور الفصل الأخير من ملحمة سالموند حول أسلوب تعامل حكومة ستارجن مع مزاعم التحرش الجنسي التي أُثيرت ضده. اليوم، لا يبدو من الواضح ما إذا كانت الحقيقة ستظهر حتى في يوم من الأيام، لكنّ الأوضاع زادت سخونة بالتأكيد مع إدلاء سالموند بشهادته طوال ستة ساعات داخل مكتب روبرت بيرنز في البرلمان الاسكوتلندي مؤخراً.
من جهته، وجّه سالموند اتهاماً لستارجن بخرق ميثاق العمل الوزاري، وهي جريمة تستوجب الاستقالة في حد ذاتها، واعترض على السرد الذي قدمته للأحداث وكذلك الشهادة التي أدلى بها بيتر موريل، الرئيس التنفيذي للحزب الوطني الاسكوتلندي الذي يتصادف أنه زوج ستارجن. واتهم سالموند مسؤولي الحزب الوطني الاسكوتلندي بالضغط على الشرطة والتواطؤ مع الشهود والتورط في «بناء الأدلة». واختتم بيانه بالتلميح إلى أن استقلال اسكوتلندا على المحكّ إذا لم تتمكن من ضمان أن مؤسساتها تجري قيادتها على النحو الصائب.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن جذور هذا الخلاف تعود إلى أواخر عام 2017 مع إطاحة حركة «أنا أيضاً» المناهضة للتحرش بكل من وزير دفاع بالمملكة المتحدة ووزير اسكوتلندي، دعت ستارجن إلى سَنّ سياسات حكومية جديدة ضد التحرش الجنسي. من ناحيته، يعتقد سالموند أن التغييرات الجديدة، التي جرى تطبيقها على الوزراء بأثر رجعي، جرى تصميمها خصيصاً للإيقاع به.
في بادئ الأمر، زعمت سيدتان تعرضهما لتحرش جنسي من جانب سالموند. ومن بين الأسئلة التي لا تزال محل خلاف: متى علمت ستارجن بالأمر؟ من جهته، تقدم سالموند بدعوى قضائية ضد الحكومة أمام أعلى محكمة مدنية في اسكوتلندا بسبب أسلوب إدارتها للأمر وفاز بمراجعة قضائية في يناير (كانون الثاني) 2019. وتوصلت المحكمة إلى أن الحكومة تصرفت على نحو غير قانوني في التحقيق الذي أجرته، واضطرت الحكومة لأن تدفع أكثر عن 500000 جنيه (697000 دولار) لسالموند.
ومع ذلك، أُلقي القبض على سالموند، في وقت لاحق من الشهر، ووُجِّهت إليه اتهامات بالتورط في 14 جريمة جنسية، منها محاولة الاغتصاب، وذلك على صلة بحوادث وقعت بين عامي 2010 و2014 عندما كان الوزير الأول لاسكوتلندا. واعترف سالموند بأنه «ليس ملاكاً»، لكنه وصف المزاعم المثارة ضده بأنها «تلفيقات متعمدة» جرى اختلاقها بهدف الإطاحة به خارج الحياة العامة.
بحلول ذلك الوقت، كانت حرب أهلية شعواء قد استعرت داخل صفوف الحزب الوطني الاسكوتلندي. وجرى فتح تحقيقات حول التحقيق المعيب الذي أجرته الحكومة حول سالموند. وادّعى سالموند أن لديه أدلة تثبت أن ثمة مؤامرة تُحاك ضده من جانب تلميذته السابقة. واتهم مكتب التاج -الذي اضطلع أكبر مسؤوليه القانونيين بدور مزدوج بوصفه محققاً مستقلاً، وكذلك بوصفه وزيراً ومستشاراً قانونياً تولى الحزب الوطني الاسكوتلندي تعيينه- بإعاقة العدالة بعدما أعرب المكتب عن «قلقه البالغ» إزاء نشر أدلة سالموند، ما أدى فعلياً إلى وقف النشر.
في إطار التحقيق البرلماني الدائر حالياً، يبدو أن ستارجن هي مَن تُجري محاكمتها فعلياً. وربما يظهر مزيد من الأدلة خلال المرحلة المقبلة. ومن بين التساؤلات التي يتعيَّن عليها الإجابة عنها: ما الذي تعرفه عن المزاعم المثارة ومتى علمت بأمرها؟ وحال التأكد من أن ستارجن خرقت الميثاق الوزاري، ستزداد حدة الضغوط عليها كي تتقدم باستقالتها.
ومع ذلك، فإن الاستقالة ليست باستجابة تلقائية هنا، خصوصاً أن لجنة التحقيق البرلمانية التي يهيمن عليها أعضاء الحزب الوطني الاسكوتلندي لا تبدو في عَجَلةٍ من أمرها لسبر أغوار الحقيقة. واليوم، يفتقر سالموند إلى الشعبية داخل اسكوتلندا ربما بنفس قدر افتقار جونسون إلى الشعبية، بينما يجري النظر إلى ستارجن بتقدير واحترام، خصوصاً لإدارتها الحكيمة لأزمة جائحة فيروس «كورونا». في الواقع، لا توجد في اسكوتلندا اليوم شخصية سياسية تضاهيها في مكانتها يمكن أن تتولى مهام منصبها بعدها. أما ديريك ماكاي الذي نظر إليه البعض بوصفه قائداً مستقبلياً، فقد اضطر إلى الاستقالة العام الماضي من منصبه كوزير للمالية بعد اعترافه بإرسال سيل من الرسائل ذات الإيحاءات الجنسية إلى فتى مراهق.
المؤكد أن موقف ستارجن لحقه بعض الضعف. ومع هذا، يظل التساؤل الوحيد القائم داخل أروق ويستمنستر: ما السبيل الأمثل لإبقاء الاتحاد سليماً؟ جدير بالذكر أن زعيمة الحزب الوطني الاسكوتلندي تضغط من أحل إجراء استفتاء جديد حول الاستقلال عن المملكة المتحدة، منذ أن صوّتت الأخيرة لصالح الانفصال عن الاتحاد الأوروبي. ومن بين الخيارات المتاحة أمام جونسون رفض عقد مثل هذا الاستفتاء ببساطة. إلا أن القدرة على اللجوء لهذا الخيار تزداد صعوبة بمرور الوقت.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»