داود الفرحان
حاصل على بكالوريوس الصحافة من جامعة بغداد عام 1968. نائب نقيب الصحافيين العراقيين لثلاث دورات، الأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب. مدير «مركز المعلومات والبحوث» في وزارة الثقافة والإعلام العراقية. معاون المدير العام لوكالة الأنباء العراقية. المستشار الإعلامي للسفارة العراقية في القاهرة (1989 - 1990). كاتب عمود صحافي في الصحف العراقية منذ عام 1966، وكاتب عمود في مجلات: «المجلة» السعودية، و«الأهرام العربي»، و«الصدى» الإماراتية، و«اليمامة» السعودية، و«التضامن» اللندنية. رئيس تحرير صحف ومجلات عراقية أسبوعية عدة ومؤلف لعدد من الكتب.
TT

دخل الفرد... لا تغرّنَّكم المراكز الأولى

في التقرير السنوي لعام 2020 الذي أصدره صندوق النقد الدولي عن دخل الفرد السنوي بالدولار من الناتج المحلي الإجمالي، احتلت دوقية لوكسمبورغ المركز الأول بـ109.602 دولار بين دول العالم.
ولكن لا بد من التذكير هنا بأنه كلما ازداد عدد نفوس الدولة قلّ نصيب الفرد من الدخل السنوي. وهذا ما يفسر تقدم دول صغيرة وتراجع دول كبيرة. وهو أمر دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً إلى مطالبة الشعب بترشيد الإنجاب لضمان حياة أفضل. وأكدت مجلة «غلوبال فاينانس ماغازين» أن أصغر دول العالم سكاناً ما زالت تسيطر على قائمة أغنى البلدان. فالناتج المحلي الإجمالي لأي دولة يُقَسّم رياضياً ونظرياً على مجموع السكان، وهو يوضح مدى ازدهار الدولة، وفقاً لحصة كل مواطن من الدخل. لذلك فإن الولايات المتحدة التي تحتل المركز الخامس في جدول الناتج المحلي الإجمالي والبالغ نحو عشرين تريليون دولار تحسب للمواطن منه نحو 63 ألف دولار سنوياً، أي في حدود 5 آلاف دولار شهرياً من ضمنها حصته من مشاريع الدولة وخدماتها ومؤسساتها وجيشها ومركباتها الفضائية فلا يصل إليه إلا راتبه أو أجوره التي لا تقارَن براتب أو أجور أي مواطن عادي في مثل لوكسمبورغ.
معنى ذلك أن الدول الاقتصادية الكبرى ليست بالضرورة الأعلى في دخل الفرد بسبب الكثافة السكانية كما في الولايات المتحدة التي عليها أن تحسب حساب نحو 350 مليون مواطن. لكن ما العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة والدخل الفردي لمواطنيها؟ وكيف تتم الموازنة بين الاثنين؟
للإجابة عن السؤالين ينبغي أن نعرف أن الناتج المحلي الإجمالي ليس مقياساً لمستوى المعيشة في الاقتصاد، ومع ذلك فهو يُستخدم قياساً لهذا المستوى، لأن كل المواطنين يستفيدون من زيادة الإنتاج في دولتهم. ولا أريد أن ألقي محاضرة في هذا الموضوع، لأن الاقتصاديين يعرفون أكثر منّي تفاصيل ومعوقات هذه العلاقة التي قد تنجح في دولة ما وتتعثر في دولة أخرى، لأسباب مختلفة في مقدمتها عدد السكان أو جائحة «كورونا» الحالية التي التهمت كثيراً من التوقعات الورقية. وهناك أسباب أخرى لهذا التفاوت مثل ما يسمى الاقتصاد السُّفلي أو السوق السوداء، ومعظم الدول لا تعترف بهذا الاقتصاد غير المشروع، ولا تحسبه على الإنتاج الإجمالي. كذلك فإن إعادة الإعمار بعد الكوارث الطبيعية أو الحروب يمكن أن تُنتج نشاطاً اقتصادياً واسعاً.
ولكي لا يحدث خلط بين تسلسل الدول في ترتيب مستوى دخل الفرد من الناتج المحلي وترتيب الناتج المحلي الإجمالي نفسه، فإن صندوق النقد الدولي الذي أعد القائمة الأولى هو نفسه مَن أعدّ القائمة الثانية. وهناك تفاوت كبير بين القائمتين. فالولايات المتحدة تتصدر القائمة الثانية، يليها الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وألمانيا والهند وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والبرازيل وكندا وروسيا وكوريا الجنوبية وإسبانيا وأستراليا والمكسيك وإندونيسيا وهولندا التي تحتل المركز السابع عشر، تليها مباشرةً في المركز الثامن عشر المملكة العربية السعودية، وهي الدولة العربية الأولى في الناتج المحلي الإجمالي. وتحتل الإمارات المركز الثلاثين، ومصر المركز الأربعين، والعراق المركز التاسع والأربعين، وقطر المركز الـ52، والجزائر المركز الـ53، والكويت المركز الـ57، والمغرب المركز الـ58، وسلطنة عُمان المركز الـ67، وسوريا المركز الـ79، ولبنان المركز الـ81، والأردن المركز الـ89، وتونس المركز الـ92، تليها البحرين في المركز الـ94، ثم ليبيا في المركز الـ96، والسودان في المركز الـ98، واليمن في المركز الـ100، وموريتانيا في المركز الـ147، ثم الصومال في المركز الـ151، وجزر القمر 151.
كلما قلّ الناتج المحلي الإجمالي، انعكس الأمر على مرآة الفقر العام. والتعريف الاقتصادي للفقر هو أنه حالة اقتصادية تتمثل في نقص كلٍّ من المال والضروريات الأساسية لحياة مريحة مثل الغذاء والمياه والتعليم والرعاية الطبية والإسكان.
قالوا عن الفقر: «إنه فضيلة سخيفة لا يدعو إليها إلا رجل سخيف». و«الفقراء يعتقدون أن السعادة في المال، في حين أن الأغنياء ينفقون المال بحثاً عن السعادة». لكن العالم والفيلسوف الأميركي نعوم تشومسكي حسم الأمر بأنه «لا يوجد شيء اسمه بلد فقير، لكن يوجد نظام فاشل في إدارة موارد البلد». والمثال النموذجي على النظام الفاشل هو النظام العراقي الحالي، فمنذ 2003 حتى اليوم، غرق في الديون الخارجية والفساد والعنف الداخلي الذي كاد يقسم البلاد إلى جزر برّية صغيرة تبحث عن إبرة وسط كوم من القش.
هناك قاعدتان ماليتان تنطبقان على الدول مثلما تنطبقان على الأفراد: القاعدة الأولى «لا تخسروا ثرواتكم»، والأخرى «لا تنسوا القاعدة الأولى».