د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«كلوب هاوس» منتدى عكاظ الصوتي!

هبط على أمتنا العربية «الشفهية» من السماء تطبيق جديد يلبّي شغفها القديم بالتحدث في كل شيء. ومن عجائب تراثنا أن مجالسنا تتفسح لأفضلنا مقدرة على حُسن التعبير. ولذلك تصدر الشاعر الفحل صدر المجالس. وتغير الحال تدريجياً نحو مَن أوتي شيئاً من جوامع الكلم والتأثير.
ولأن العربي فضولي بطبعه، وربما لا يحب أن تحجب عنه جهة أو حكومة معلومةً، كان أمام ورطة ضرورة الحصول على «دعوة» للانضمام إلى الموقع من عضو حالي. لكنها حيلة تسويقية تسمى الندرة scarcity. ومن منّا لا يحب أن يكون ضمن ركب النخبة في حفلة أو فعالية ليُظهر فيها أفضل ما لديه من مظهر، وكلام، وإتيكيت؟ وإذا وُفِقتَ في تلقي دعوة ستجد غرفاً للدردشة الصوتية فقط، أو «منتديات» كما تسميها الشاعرة سعدية مفرح من الكويت. يدير الحوار مَن فتح الغرفة أو جدولها، وله منح آخرين صلاحية إدارة النقاش معه، وحجب الميكروفون عمّن نسيه مفتوحاً، مثل ذلك الذي سمعنا «زعيق» زوجته وهي تناديه إلى طاولة الغداء.
النقاشات حتى كتابة هذه السطور منها المتواضع ومنها الراقي والهادف والمبهر لثلة من الشباب العربي الواعد بعمق تفكيره وطريقة تعبيره عن آرائه. دخلت غرفاً تناولت موضوعات شائكة كالفوارق بين الذكور والإناث، لكنها تألقت في احترام جميع الآراء. وقد جاء هذا التطبيق كما ذكرت بعد فترة تجربة أو «مراهقة» عندما كان البعض يتخفون خلف أسماء مستعارة في أواخر التسعينات، ليظفر بمحادثة الجنس اللطيف خلسة كأنه يرتكب جريمة آنذاك، ثم انتقلنا إلى نقاش صريح ومفتوح أمام الجميع، الأمر الذي ينمّ عن تحول جذري في بعض البيئات المحافظة.
منتديات «كلوب هاوس» الصوتية في غاية الأهمية لأنها تطبيق عملي للحوارات الراقية، وممارسة فن الإنصات، وحُسن المقاطعة، كما تمنحنا حرية المغادرة «بهدوء» leave quietly إلى غرفة أخرى. ولأول مرة في التاريخ صار في مقدور الإنسان أن يحاور بأدب ثلة من الناس وهو مستلقٍ في غرفة المعيشة أو يمشي في الطرقات على مدار الساعة. كان في السابق النقاش محصوراً في لقاء مرئي أو مسموع في أوقات محددة. أما بدخول «منتدى عكاظ» فقد عاد للعرب ضالّتهم. فهل يحسنون استخدامه في بث حوارات ممتعة ومفيدة ومثرية، أم ينحرفون به عن هدفه الأساسي إلى حفلات الاستقطاب والتجريح؟