د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

الأميركي كما يراه آينشتاين

يرى العالِم ألبرت آينشتاين أن مما «يدهش الزائر» لأميركا «صفة الفرح والإيجابية حول الوجود، فالضحك أمام الصور يمثل رمزاً لقوى أساسية عند الأميركيين». وآينشتاين الذي عاش في بلاد «العم سام» وأوروبا لاحظ أن «الأميركي لطيف، وبشوش، وواثق من قيمه، ومتفائل، ولا يحمل ضغينة ضد أحد... وعلى العكس نجد أن الأوروبي ينتقد، ويفكر كثيراً، وهو أقل ودية وتعاوناً، إنه منعزل، صعب الإرضاء بتسليته كما في قراءاته، وهو غالباً متشائم بالقياس إلى الأميركي»، على حد قوله.
والأميركي، كما يصفه عالمنا، يعيش للمستقبل ويكرس جل اهتمامه لوسائل الرفاهية والراحة في حين «يعيش الأوروبي حاضره»، وهو ما يختلف عن حالة روسيا والشعوب الأخرى. لا أعلم ما إذا كان آينشتاين سيغير شيئاً من كلامه لو طال به المقام إلى زماننا. وربما يعتبره البعض قد سقط في «فخ التعميم» الذي لا يليق بالعلماء، لكنه أوضح أنها مجرد انطباعات شخصية ذكرها بكل صراحة في كتابه «العالم كما أراه».
والمتأمل للأبحاث الحديثة والرصينة، والشواهد الواقعية، يجد شيئاً مما قاله ملموساً على أرض الواقع. فقد وجد مَن أسميه «ابن خلدون العصر الحديث» العالم هوفستد في أبحاثه الواسعة أن العربي والآسيوي مستعدان لأن يقودهما مَن هو أقل كفاءة منهما، عبر مفهوم يطلق عليه «مسافة السلطة» (power distance)، وهو مؤشر يقيس إلى أي مدى يقبل الناس أن يقودهم أو يتبوأ أحد في مجتمعهم منصباً رفيعاً لا يستحقه، وهو عكس نتائج بريطانيا وأميركا وأجزاء كبيرة من أوروبا.
واتضح أن العرب يُقدر مستوى اعتمادهم الفردي على ذواتهم (individualism) بمعدل متدنٍّ، 25، في حين يبلغ الغرب (أميركا وبريطانيا) نحو 90. وهو فارق ملحوظ يظهر ميلهم إلى الجماعية أكثر من الفردية. أما فروقات التواصل فقد ذكرتها في مقالي «كيف يتواصل الألماني والصيني والعربي؟»، ذلك أن الألماني يختلف اختلافاً جذرياً في حزمه ودقته عن الإنجليزي والأميركي بأشواط عندما يتواصل مع الآخرين. والإيطاليون أميل إلى العرب، والإنجليزي أقرب إلى ابن عمه الأميركي، وهكذا.
والمفارقة أنَّ هذه الأبحاث المعاصرة جاءت بعد عهد آينشتاين. فهل كانت لدى آينشتاين نظرة ثاقبة؟ وهل ما زال الأميركي «لا يحمل ضغينة ضد أحد»؟ ربما تجيب نتائج الانتخابات عن توجهات شريحة كبيرة من الأجيال الحالية، وكيف تناصر مَن يمثل توجهاتها. وهذا يجرنا لمسألة في غاية الأهمية، وهي أن توجهات الشعوب تتغير مع مرور الزمن. فهي مثل الكائن الحي يولد ويكبر ثم يشيخ ثم يولد جيل آخر بصفات جديدة، وإن توارث شيئاً من أسلافه.
والمتأمل لعلم النفس الإيجابي يجده ظهر في مطلع التسعينات من ركام أبحاث العالم الأميركي سيليغمان، الذي شاهدته شخصياً على خشبة المسرح وهو يتحدث بشغف منقطع النظير عن دور التفكير والتصرف الإيجابي في إشاعة البهجة في نفوس الناس، وتحسين علاقاتها، وتصديها للتحديات الحياتية.
الاختلافات الثقافية صحية، وليست مدعاة للتعالي أو الإقصاء أو العنصرية، لأنها وجدت ليكمل الإنسان أخاه الإنسان في شتى نواحي قصوره. ومن هذه الاختلافات نبعت فكرة «الفريق» في العمل الإداري.