د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

أفل نجم «مدرسة الحوار»

رحل عنا أحد أشهر مقدمي برامج التلفزيون لاري كينغ، تاركاً وراءه تجربة ثرية تستحق التأمل، ومعضلة ما زلنا نعاني منها. ذلك أن كينغ الذي دخل ببرنامجه الشهير بـCNN موسوعة غينيس للأرقام القياسية قد وصف بديله البريطاني بيرس مورغان بأنه «يتحدث أكثر من اللازم». وهي معضلة نفرت الناس عموماً من الشاشة الفضية. في حين أن لاري من أصحاب مدرسة الكلام القليل في الحوار، والميل نحو الإنصات، وحسن طرح الأسئلة، وكان يصب جل تركيزه واهتمامه على ضيفه ودفعه للتألق. فهو من قال في كتابه الماتع الذي يستحق أن يقرأه كل الإعلاميين إنه لم يتعلم شيئاً واحداً وهو يتحدث، ولذلك آثر أن يبقى أيقونة للآذان الصاغية. وهذه المعادلة كانت أحد أسباب استقطاب برنامجه لألمع نجوم العالم وزعمائه الذين كانوا يتمنون أن يجلسوا أمام ميكروفونه الشهير. وهو الذي قال يجب ألا تتحدث بجدية لفترة طويلة حتى لا يفلت منك المستمعون في أي حوار، وذلك في كتابه «كيف تتحدث إلى أي شخص في أي وقت وأي مكان».
وأصر على أن يكون متواضعاً في برنامجه مع ضيفه، فلم يلجأ لاري إلى فكرة طاولة «مكتب المدير»، في حين يجلس الضيف دونها، كأنه أتى لتخليص معاملة في دائرة حكومية. هذه الطاولة ورثها إعلامنا العربي من أسوأ أفكار تصاميم الاستديوهات الأميركية التي توحي للمشاهدين والمقدم نفسه (المدير) بأنه أعلى مرتبة من ضيفه! شخصياً أؤمن بأن المحاور الجيد لا يمكن أن يتألق ما دام يشعر بأنه أهم من ضيفه!
وكان لاري يميل نحو الأسئلة المفتوحة التي تفسح المجال للآخرين للتعبير بحرية، ويقلل من الأسئلة المغلقة التي إجابتها بنعم أو لا أو كلمة أو كلمتين. المفتوحة مثل «ما رأيك في كذا؟ وبماذا ترد على من انتقدك في كذا؟».
صحيح أن ندية بسيطة وقعت بين لاري وغريمه البريطاني مورغان، إلا أن الأخير قد شهد له بقوله: «كان مذيعاً لامعاً ومحاوراً تلفزيونياً بارعاً»، على الرغم من نديته تلك. وتفاجأ الجميع عندما قدرته روسيا، العدو اللدود لبلاده أميركا، بمنحه برنامجاً حوارياً في محطة «روسيا اليوم». وبالفعل أصدق الشهادات تلك التي تأتي من خصومك.
وكان لاري بحق مدرسة في الحوار... أفل نجمها الأسبوع الماضي.