دانيال موس
TT

النزعة الترمبية الاقتصادية وجدت لتبقى

برغم كل الأحاديث الخاصة بطي صفحة الماضي من الانقسام والأحادية، فإنَّ بعضاً من السياسات الحاسمة والخاصة بالمستثمرين الآسيويين ربما لا تتغير بصورة كبيرة في عهد الرئيس جوزيف بايدن. وهذه إحدى سبل طرح وجهة النظر الخاصة بالسيدة جانيت يلين، التي اختارها الرئيس الجديد لمنصب وزيرة الخزانة، وذلك في جلسة تأكيد الموافقة على المنصب أمام مجلس الشيوخ في الأسبوع الجاري.
وتجنبت يلين الالتزام بالدولار القوي تماماً، كما فعل الوزراء من أسلافها. ولكنها لن تؤيد الدفع من أجل ضعف الدولار بُغية كسب المزايا التجارية أيضاً. وعوضاً عن ذلك، أشارت يلين إلى أنَّها لا تخشى من ضعف الدولار - إن كان هذا الاتجاه الذي تتحرك صوبه الأسواق. وهذا تغيير واضح عن موقف دونالد ترمب الدافع بأنَّ العملة القوية تُلحق الضرر بالصادرات، ولكنه لم يدعم هو ولا منوشين تلك الرغبة في الوصول إلى الدولار الضعيف من خلال الإجراءات النقدية. ومن الناحية العملية، من غير المحتمل أن يكون هناك كثير من التماهي والاتساق بين الإدارتين الأميركيتين السابقة والراهنة بشأن هذه القضية.
ومن شأن القوى الاقتصادية التي تعتمد على الدولار بالأساس، وعلى أسعار الفائدة المنخفضة للغاية، مع السياسات النقدية الصارمة نسبياً من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أن تلقى مقاومة قليلة من السيدة جانيت يلين. وقالت مؤسسة «يو بي إس» لإدارة الثروات العالمية في بيان بعد جلسة الاستماع: «على الرغم من أن إدارة الرئيس بايدن قد لا تسعى على وجه التحديد إلى الدولار الأميركي الضعيف، فإنه من المحتمل وقوع مزيد من الانخفاض في قيمة العملة الأميركية في الفترة المقبلة». ويقترب الدولار الأميركي من أدنى مستوياته خلال 6 سنوات في مقابل سلة من العملات الأجنبية الرئيسية، وذلك وفقاً لمؤشر «بلومبرغ» الفوري للدولار.
ولقد أحجمت الحكومة الأميركية في غالب الأمر عن التدخل في أسواق العملات خلال العقدين الماضيين، بصرف النظر تماماً عن الحزب السياسي الذي كان على رأس الأمر في البيت الأبيض. وينسحب الشيء نفسه على الاقتصادات الأكثر أهمية حول العالم. ولقد مرَّ الزمن الذي كانت تعمل الحكومات الرأسمالية فيه على السيطرة على الأسواق بُغية الاتساق مع أهداف العملة المحلية لديها.
تعد الصين الخصم الأكثر أهمية في الخارج. وقد جرى التخفيف من القيود الحكومية على اليوان الصيني بصورة مطردة منذ عام 2005، عندما توقفت الصين عن ربط عملتها بالدولار الأميركي الذي يبلغ 8.3 يوان، لم يقع شيء يُذكر من دون موافقة البنك المركزي الصيني. ولا تستجيب الحركة الواسعة لليوان الصيني إلى ضغوط الأسواق والأساسيات الأخرى، من شاكلة أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي. لكن البنك المركزي الصيني غالباً ما يلجأ إلى بعض التحركات، ويضع المعايير، ومن المعروف عنه تغييره لقواعد التداول بين عشية وضحاها حسبما تقتضي الظروف. (ارتفعت قيمة اليوان الصيني بنسبة 7 نقاط مئوية مقابل الدولار الأميركي في العام الماضي، الأمر الذي يعكس محفزات الحكومة الصينية الأكثر تواضعاً عند المقارنة بالولايات المتحدة، كما ارتفعت أيضاً قيمة أغلب العملات الآسيوية الأخرى).
اتسمت تعليقات يلين أمام اللجنة المالية في مجلس الشيوخ الأميركية بالصراحة والهدوء، إذ قالت: «إننا في حاجة إلى مواجهة الممارسات الصينية التعسفية، وغير المنصفة، وغير القانونية. إذ تعمل الصين على تقويض الشركات الأميركية من خلال إغراق المنتجات، وفرض الحواجز التجارية، وتقديم الإعانات غير القانونية إلى الشركات الصينية. كما تواصل الصين سرقة حقوق الملكية الفكرية، والمشاركة في الممارسات التي تمنحها مزايا تقنية غير منصفة، بما في ذلك عمليات النقل القسرية للتكنولوجيا. تلك الممارسات، بما في ذلك المعايير البيئية المختلفة والعمالة المنخفضة للغاية في الصين، نحن على أتم الاستعداد للاستعانة بمجموعة كاملة من الأدوات والتدابير للتعامل معها ومواجهتها».
كما تحدثت يلين عن الواقع السياسي المتمثل في أن الصين تملك عدداً قليلاً للغاية - إن وجد - من الأنصار والمدافعين، فضلاً عن كثير من الخصوم في الولايات المتحدة. ويمثل هذا الطرح خروجاً صريحاً عن موقفها المتخذ من أيامها الأولى في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. إذ يميل محافظو المصارف المركزية في كل أرجاء العالم إلى الاعتزاز الكبير بزملائهم، ويعتبرون أنفسهم أشخاصاً كباراً يواصلون العمل على إنجاز المهمات من الأمور في حين ينطلق الساسة كل في مساره.
لم يأتِ عهد دونالد ترمب الرئاسي بجديد إزاء حالة العداء الواضحة في العاصمة الأميركية تجاه الحكومة الصينية. إذ كانت العلاقات بين القوى الاقتصادية العالمية تزداد توتراً مع ختام ولاية باراك أوباما للولايات المتحدة. ومع ذلك، فلقد تأزَّمت تلك التوترات على مدار السنوات الأربع الماضية. ولقد وصفت يلين الصين بأنها «المنافس الاستراتيجي الدولي الأولى بالأهمية».
بيد أن هذا لا يعني أن المستثمرين ينبغي أن يتوقعوا استمرار وزارة الخزانة الأميركية في العمل على منوالها السابق في كل الأمور. فهناك اختلافات واضحة ومهمة بشأن السياسات المالية، والحد الأدنى للأجور، والاعتبارات المناخية. وينبغي التوقع بأن يجري تطوير البرامج بصورة أكثر احترافية، وطرحها بقدر أدنى من الضجيج الإعلامي المصاحب، وتسويقها بطريقة تجذب الدعم والتأييد من جانب حلفاء الولايات المتحدة في الخارج.
من شأن توقيع جانيت يلين أن يظهر على أوراق البنكنوت في الولايات المتحدة قريباً، ولكن العملات التي تحمل توقيع ستيفن منوشين لن يجري سحبها من الأسواق. ولسوف يكون للماضي اعتباره في وزارة الخزانة تحت إدارة يلين. فهذا من قبيل التطور صوب المستقبل، وليس الثورة على الأوضاع الراهنة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»