خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

حمقى ودجالون

غضب القصاص والمسرحي الروسي الشهير الراحل أنطوان تشيخوف من أحد الصحافيين في أحد الأيام فقال معلقا: «يجب على المعالج النفسي أن لا يتظاهر بأنه يفهم ما لا يفهمه، علينا أن لا نلعب دور الدجال، وعلينا الإعلان بكل صدق أن لا شيء واضح في هذه الدنيا؛ فالحمقى والدجالون هم وحدهم الذين يدعون أنهم يفهمون كل شيء».
لقد مضى على هذا الكلام الجميل 127 سنة بالضبط، ولكن يا للهول لم يتغير شيء، فالحمقى والدجالون ما زالوا موجودين في معظم الأوطان وبكثرة أيضا.
وهؤلاء يتحدون الجميع كل يوم وكل ساعة، وبثقة عجيبة وبتبجح غير عادي، بل وبغرور غير معقول، ويدعون أنهم يعرفون ويفهمون كل شيء، أي نعم كل شيء، من الإبرة إلى الصاروخ، من قضايا الأدب إلى مشكلات السياسة، ومن تطور التكنولوجيا إلى هبوط وصعود البورصة. ومن أفلام السينما إلى أفضل البلدان السياحية، ومن تربية القطط إلى مباريات كرة القدم، ومن غموض الشعر إلى بناء الجسور.
ومن متى سيهطل المطر إلى طريقة تحضير المعكرونة. ومن أسباب آلام الظهر إلى كيفية الحصول على مليون دولار. ومن أهداف منظمة «داعش» إلى كلمات أغاني «شعبولا»، ومن أسعار سوق العقار إلى أعذب السيمفونيات الموسيقية.
من كل شيء إلى كل شيء باختصار، فلا حدود للعبقرية عند الدجالين.
فهم يعرفون ما لا يعرفه حتى النوابغ، ويكشفون أسرار الدول التي لا يعرفها حتى زعماؤها.
يتحدث فيما لا يدركون، ويقولون فيما يجهلون، بلا رهبة ولا خوف ولا تردد ولا تلعثم، والأهم بلا حياء أو خجل.
وهكذا فهم يتكلمون عن المضادات الحيوية وكأنهم يمتلكون مصانع أدوية، وعن أنواع أجهزة الحاسوب وكأنهم هم الذين اخترعوها.
ويتكلمون عن السيارات ذات الموديلات الجديدة بتفاصيل مذهلة وكأنهم صنعوا تلك السيارات.
ويتحدثون عن بنادق الأسلحة الحديثة وكأن ذخيرتهم نفدت وهم يطلقونها على أعداء الأمة.
لا شيء يقف عقبة أمام علومهم الموسوعية، ولا شيء يمكن أن يعادل عقولهم الخارقة.
غير أن العجيب، بل والمدهش أنك عندما تسأل أحدهم عن قراءته لكتاب هام وشهير مثلا في نفس القضية التي أفتى بها تجده يصرخ في وجهك قائلا:
لا.. لم أقرأه.. ما علاقة هذا الكتاب بهذا الموضوع؟!
يا سبحان الله.