مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

هل من صحوة أوروبية ضد إيران؟

يبدو أنَّ المصالح المادية قصيرة الأجل باتت تطغى على المستويات كافة، التي تتخذ فيها الدول الأوروبية مواقفها السياسية في الشرق الأوسط، ويظهر جلياً في عدم المجاهرة لما تفعله إيران في المنطقة، والكيل بمكيالين بقضية فلسطين ودعم إسرائيل، واستنكار تصنيف الحوثي منظمةً إرهابيةً، والتغاضي عن ميليشيات إيران الإرهابية في سوريا، ولبنان، والعراق واحتضانهم لـ«الإخوان» المسلمين، التنظيم المتطرف، ودور ألمانيا السلبي في موضوع اليمن وموقفها المبهم والغامض، ولم يسبق لها أن أشارت إلى مصادر الأسلحة التي يستخدمها الحوثيون وتمردهم على الشرعية.
لم يكن الشكل النهائي لهذه الهرمية هو التعويض فقط عن الخسائر التي تكبدتها بعد قرار الرئيس الأميركي ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران الذي أثار مخاوف أوروبا، بل أهمية العلاقات الاقتصادية حيث تمثل التجارة مع إيران إحدى أولوياتها، وحرصها الشديد على الصفقة النووية التي تشكل مجرى العلاقات الأوروبية الإيرانية، مهما وصل تشديد العقوبات، لأن ذلك يجعل الاتفاق أهم وأضخم، والتغلغل بالمنطقة لفترة زمنية أطول، حتى لو أكدت واشنطن العقوبات الاقتصادية، وطالبت الشركات الأوروبية بالانسحاب، وكان لحكومات دولِ الترويكا الأوروبية (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) محاولات كثيرة لإثناء أميركا عن الانسحاب من الاتفاق النووي.
لقد كان من الصعب استعادة كل المكاسب التي حصلت عليها في هذه الظروف، وترجيح الرأيين في الوقت نفسه، لأجل تحييد السياسات الأوروبية عن دعم الإبقاء على الاتفاق النووي، وجعل الحليف الأميركي يبذل جهداً واسعاً على إنقاذ المصالح الاقتصادية للدول الثلاث، وقد مثلت هذه السياسة تنوعاً في الاستراتيجيات التي تبحثها مع إيران، رغم الخروقات والابتزازات التي ما كفَت إيران عن اقترافها بحقّ القيود النووية المفروضة بالاتفاق.
وفي الوقت الذي يكون من المتوقع تجريم إيران، لأنها تهدد أمن الملاحة البحرية والاستقرار الإقليميين، وتنامي الخطر الإيراني الصاروخي، وانتهاك قوانين الإبحار والملاحة. مفاد القول هو يتخطى أهمية الصدام السياسي والدبلوماسي بين إيران وروسيا والصين من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة أخرى، تبدو وكأن تعريف الأطراف الأوروبية يمثل الاتفاق كمحورٍ للتوازن لن تتراجع عنه، وذلك يستوقف النظر إليه كموضع ثابت في مستقبل الاتفاق والالتزام به.
ولعلنا نلامس الحجة الأبلغ لوضع هذه الدول تجاه الدول العربية، بعد قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي اعتبرته الدول الأوروبية آنذاك نكسة قوية لها، بعدما بذلت فرنسا وألمانيا وبريطانيا جهوداً دبلوماسية مكثفة لإقناعه بالبقاء فيه،
وعلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على «تويتر» بالقول إن «فرنسا وألمانيا وبريطانيا تأسف للقرار الأميركي وستعمل بشكل جماعي على اتفاق أوسع». والرئيس الفرنسي الذي عمل منذ انتخابه على إقامة علاقات جيدة مع نظيره الأميركي، لتغيير موقفه من الانسحاب من الاتفاق النووي للحفاظ على مصالحهم الضيقة.
كما فشلت برلين ولندن الموقعتان أيضاً على الاتفاق المبرم في 2015 مع طهران، في إثناء ترمب عن المضي في قراره في ختام مشاورات دبلوماسية ماراثونية. وبعد أيام على زيارة ماكرون، حاولت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تغيير موقف ترمب وتبعها الاثنين وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون.
من هنا يجب تقدير هذه المفارقة حق قدرها وهي التي تعنيه هذه العلاقات، ونركز على الجذر المشترك بين هذه القوى، ومطلب هذا الاعتراف يعبر عن انتظار يمكن الإيفاء به على حساب دول المنطقة، وتنقل الاعتراف به إلى الصعيد السياسي، لكن دول الترويكا الأوروبية في الرابع عشر من شهر يناير (كانون الثاني) 2020، اتّجهت إلى تفعيل آلية فضّ النزاع المنصوص عليها بالاتفاق. وجاء هذا التطوُر بعدما كشفت إيران عن الخطوة الخامسة في سلسلة خروقاتها للالتزامات النووية، التي سبق أن ابتدأتها منذ 8 مايو (أيار) 2019، معلنة بذلك تنصُل الحكومة الإيرانية من قيود تخصيب اليورانيوم، في تصعيدٍ يُعَدّ الأخطر على مستقبل الاتفاق النووي.
نتج بشكل عام عن هذه المصالح الاستراتيجية والحيوية التي تحكُم هذه العلاقات، مواجهة الحضور الأوروبي في المنطقة بدعوى مصالح سياسية مرتبطة بموقع كلّ طرف في النظامين الإقليمي والدولي ومدى تأثيره، فمع هذا التوافق انكشف الغطاء عن سلسلة لمفهومية جديدة، وهي سياسة تصديق كل الخداع الإعلامي لها الكثير من النفوذ والتأثيرات المتبادلة، كما هو الحال حول الدعوة الملحة من الاتحاد الأوروبي لإيران، حيث دعا مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن جوزيب بوريل إيران التخلي عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة في موقع فوردو النووي، مؤكداً سعيه لإعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي.
وعلاوة على ذلك، ستعمل على إقناع الرئيس المنتخب جو بايدن بالعودة للاتفاق النووي، رغم أن إيران ما زالت تصعد نشاطها الإرهابي بعد الأزمة الأخيرة بينها وبين أميركا إثر حادثة جرت في مياه الخليج، في عمل استفزازي ومُخالف لكلّ القوانين الدولية المُنظّمة لحركة الملاحة، لم يعد انتهاك القوانين مجرد انتهاك بسيط لتجارة ما، ولكنه أصبح جريمة تستوجب العقوبات ومحاسبة الأطراف التي ارتكبت الجرم، في حين أن الوضع يزداد سوءاً، واحتمالات تصاعد أعمال عنف خطيرة. بينما دول أوروبا تسعى لمصالحها الاقتصادية والسياسية وخلق الحجج التي تتذرع بها، فهل من صحوة أوروبية ضد إيران.