علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

غير مألوف

الطبيعي في التخطيط الحضري أن تنشأ المدن، ثم يقوم المعنيون -أياً كانت صفتهم- بتنظيم المدينة، وتوفير ما يحتاج إليه سكانها من وسائل الحياة، كالنقل والوظيفة والتعليم والصحة، وغيرها من مستلزمات الحياة. وحينما نقول التعليم، فإنه يعتمد على الزمان، بدءاً من الكتاتيب انتهاء بالجامعات، وقس على ذلك الصحة، من الطب الشعبي حتى أرقى المراكز الصحية.
هذا هو الطبيعي أو المألوف، ولكن غير المألوف هو أن ننشئ المدن، ثم نجلب لها السكان، ونوفر لهم الوظائف، وهذا ما فعلته السعودية في «ذا لاين»، أو في منطقة «نيوم» بشكل عام، إذ فكرت في إنشاء المدينة، ومن ثم خلق الفرص الوظيفة التي بالتأكيد ستجذب السكان.
ومن الطبيعي أن الخدمات تتبع السكان. وقد كانت الجهات المعنية في وقت سابق توفر الحاجات الأساسية للسكان، مثل الكهرباء والماء، وتتردد في إقامة المشروعات الكبرى، متعللة بأن سكان تلك المناطق لا يمثلون سوى 1.5 في المائة من سكان السعودية، رغم جمال المنطقة العذري، ووقوعها في ملتقى القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، لا سيما فيما يخص الطيران.
وكان من غير المألوف أن تهمل هذه المنطقة كل تلك السنين، رغم جاذبيتها. اليوم، تعود السعودية لإعطاء المنطقة حقها من التنمية، بتوفير بنية تحتية ومشروعات عملاقة توفر عائداً مجدياً للاقتصاد السعودي: أولها توفير 380 ألف فرصة عمل. ولن أتحدث عن الفرص الاقتصادية في المنطقة، ولكن سأتحدث عن شيءٍ آخر، وهو التوزيع السكاني لأي بلد. فتجمع الناس في المدن الكبرى يخل بالأمن الذي يعد الغطاء الاقتصادي لأي نشاط، فمن دون الأمن لا يوجد نشاط اقتصادي.
وحقيقة، لا أعرف لماذا تأخرت السعودية في المشروع. وهل السبب أن لا أحد كان يستطيع تعليق الجرس أم عدم وجود خطة ورؤية شاملة لتطوير المنطقة، والاستفادة من مميزاتها الاقتصادية؟ ولكن على أي حال، وصلت السعودية للاستفادة من مواقعها المتميزة، وهذه بداية الألف ميل.
مثل هذه المشاريع تمثل ديمومة اقتصادية تعتمد على الموارد الطبيعية المتجددة غير الناضبة، وهي فكرة ستبدأ بها السعودية ألف فكرة، كما أنها ستخلق اقتصاداً عربياً مشتركاً، يضم مصر والأردن، بالإضافة إلى السعودية، وقد يمتد أثره حتى السودان والقرن الأفريقي، عبر تجارة بينية نشطة تخلق فرص عمل لكل بلدٍ عربي محيطٍ بالمشروع.
«ذا لاين» ومنطقة «نيوم» تجربة جديدة ملهمة لكل بلداننا العربية. ففي كل بلد عربي منطقة بحاجة إلى تطوير، وتمتاز بقدرة تنافسية على غيرها. فبلاد الأنهار لديها قدرة تنافسية في المنتج الزراعي، وبلاد النفط لديها قدرة تنافسية في إنتاج الكيماويات؛ ما قصدت في هذا المثل هو القدرة على تنويع الإنتاج العربي، لنحقق أمناً اقتصادياً مقبولاً يحقق طموحات الشعوب. والعرب يقدر عددهم بنحو 350 مليون فرد، ولو تضافرت جهودنا لخلقنا منتجات منافسة، وتوفر فرص عمل لشبابنا، تبدأ من حياكة السجاد وتسبح في فضاء غير مُتناهٍ من الصناعات، يصل إلى الاستخدام النووي. فنحن شعوب، كسائر البشر، ينقصنا الإرادة السياسية التي تصنع لنا موطئ قدم بين سائر الأمم. ودمتم.