نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

رباعيات التسوية

أنتج مشروع التسوية الفلسطينية الإسرائيلية محاولات وإطارات ومبادرات، هدفت جميعاً إلى إنجاحها كحد أعلى، ومنعها من الموت الصريح كحد أدنى، ولقد استثمرت دول العالم المعنية كثيراً من الجهد والمال في هذا الاتجاه، وكانت الأهم هي الجهود الأميركية المباشرة التي بذلت في عهود إدارات بوش الأب وكلينتون وبوش الابن وباراك أوباما، وكلها باءت بالفشل، وآخرها رحلات الوزير كيري التي استغرقت أكثر من سنة.
الفشل المتلاحق لجهود دولة، يفترض أنها الأكثر تأثيراً على إسرائيل بالتحالف، وعلى الفلسطينيين بالضرورة، أنتج خوفاً إقليمياً ودولياً من انهيار نهائي للفكرة وللمشروع، وهذا الخوف غذّاه اشتعال الشرق الأوسط بحروب من كل نوع، ما جعل من توجيه اهتمام جدي للتسوية الفلسطينية الإسرائيلية مجرد هدر عبثي للجهد وللمال.
غير أن صحوة تبدو مفاجئة ظهرت مؤخراً من خلال تأسيس رباعية ميونيخ، التي تضم اثنين من أهم المعنيين العرب بأمر التسوية الفلسطينية الإسرائيلية، مصر والأردن، وكذلك أهم المهتمين الأوروبيين، ألمانيا وفرنسا، ما يؤشر إلى أن هنالك سعياً مشتركاً وجدياً لملء فراغ الانشغال الأميركي عن متابعة دورها التقليدي في موضوع التسوية.
آخر اجتماع لرباعية ميونيخ الذي استضافته مصر أعلن خلاصة إيجابية أرضت الفلسطينيين، إلا أنها أُهملت من جانب الإسرائيليين، ليس بسبب انشغال الدولة العبرية بالانتخابات المقبلة، كما قالت مصادر الرباعية، من أجل تخفيف سلبية الموقف الإسرائيلي، وإنما بسبب آخر كان يظهر باستمرار في كل فصول التسوية المتعثرة، وهو أن القاعدة الأساسية للموقف الإسرائيلي هي العمل على استبعاد أي مؤثر ينتقص من استفرادها بالفلسطينيين، وإن جرى تفاوض معهم فليكن معزولاً تماماً عن أي طرف يرى فيه الفلسطينيون سنداً أو حكماً حتى لو كان أميركياً، وهذه القاعدة التي أفرغت جهود الوسطاء من فاعليتها، ما تزال تعمل، وسوف تتعزز، إذا ما فاز الائتلاف اليميني في الانتخابات المقبلة، وهذا ما هو مرجح حتى الآن.
رباعية ميونيخ التي تنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية والتوجهات الأميركية بعد تسلم الإدارة الجديدة مسؤولياتها الرسمية جاءت لمصلحة الفلسطينيين الذين عانوا الأمرين من تراجع قضيتهم عن أن تكون أولى الأولويات، أو المركزية كما كانت تعرف «قبل الربيع العربي».
ترحيب الفلسطينيين وتعويلهم على رباعية ميونيخ راجع إلى أن ابتعاد الحل لا يعوضه نسبياً إلا عودة الاهتمام، ولأن الشيء بالشيء يذكر، فرباعية ميونيخ تذكّر بالرباعية الدولية التي سبقتها، والتي كانت أوسع تمثيلاً حيث شملت العالم كله، فكان مآلها التهميش والإلغاء الفعلي من دون إعلان، ولكي لا تهمش رباعية ميونيخ أو تفرغ من محتواها فإن الأمر يتوقف على أمرين حاسمين؛ الأول ممكن، ولكنه غامض إلى حد الآن، وهو مدى الدعم الأميركي لجهودها والمشاركة في هذه الجهود، والثاني مستبعد، وهو القبول الإسرائيلي لدورها أولاً، ثم التعاون معها، وقبول التفاوض تحت الشروط والأسقف التي تحددها.
رباعية ميونيخ التي ولدت من حاضنة أمنية دولية تدرك كم هو بالغ الخطورة تسليم المسار الفلسطيني الإسرائيلي إلى الإهمال والفراغ، فهل تملؤه بفاعلية أم تواجه مصير الرباعية الأقدم والأوسع... هذا ما سنراه عبر المسارات المقبلة للجهود التي ستبذل بعد انقضاء فترة انتظار التطورات في واشنطن وتل أبيب.