زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

اكتشافات البعثة السعودية ـ الفرنسية في اليمامة

ما زلنا نتحدث عن الاكتشافات الأثرية التي تتم داخل المملكة العربية السعودية، والتي تظهر التعاون الأثري بين هيئة التراث في المملكة التي يرأسها د. جاسر الحربش وعدد من الهيئات العلمية والجامعات الدولية. وبلا شك، فإن هناك علماء ورجالاً من المملكة بدأوا هذا التعاون الذي يشير إلى وجود أكثر من 21 بعثة أثرية أجنبية تعمل في الكشف عن الحضارات التي عاشت على أرض المملكة، سواءً في عصر ما قبل الإسلام أو في العصر الإسلامي. وبالتعاون مع المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، تم إجراء أعمال المسح الأثري الميداني في موقع اليمامة (يمامة الخرج) بمنطقة الرياض. وقد عملت البعثة خلال خمسة مواسم كاملة أسفرت أعمال المسح الأثري فيها عن أن هذه المنطقة تضم تسلسلاً تاريخياً قديماً منذ عصور ما قبل التاريخ، التي تشمل كثيراً من العصور؛ بدءاً من العصر الحجري القديم الأوسط وحتى العصر الحديدي. وبعد ذلك تستمر حقب التاريخ لتشمل العصور التاريخية ومنها اليونانية وعصور ما قبل الإسلام والعصر الإسلامي. وهنا تظهر أهمية المسح الأثري الذي يعطي للآثاريين تصوراً كاملاً عن الآثار التي يمكن الكشف عنها.
وقد قامت البعثة أيضاً بتسجيل كثير من المدافن التي تعود إلى العصر البرونزي، وكذلك تسجيل القنوات المائية التي كانت تحيط بالواحة وتمتد إلى مسافات طويلة. وخلال المسح الأثري أيضاً، تم الكشف عن كثير من الأدوات الحجرية التي تعود إلى فترات ما قبل التاريخ. أما الآثار التي عثر عليها وتعود إلى العصور الإسلامية المبكرة فتشمل العثور على مسجد كامل الذي يتكون من مسقط مستطيل الشكل في مقدمته رواق القبلة ويضم 22 عموداً، بالإضافة إلى صحن يشغل معظم مساحة المسجد. وعثر أيضاً على أدلة للنشاط السكاني في المنطقة المحيطة بالمسجد، حيث كشف عن وحدة معمارية تضم عناصر النشاط المنزلي من أفران وطبقات من الرماد الكثيفة التي تظهر نشاط السكان في تلك الفترة المبكرة من العصور الإسلامية بالمملكة العربية السعودية. ويتضح لنا أن المسجد كان محاطاً أيضاً بالعديد من الأنشطة حيث عثر على عدد كبير من الجدران التي تمثل وحدات معمارية. هذا بالإضافة إلى تسجيل كثير من اللقى الفخارية والحجرية والعظمية التي سوف تكشف دراستها عن معلومات جديدة ومهمة من خلال ربطها بالتعاقب الطبقي للموقع. وما كشفه لنا هذا المسح الشامل للواحة وعملية التنقيب التي تمت فيها يدل على قدم الاستيطان البشري في وسط الجزيرة العربية، ويدل أيضاً على ازدهارها في هذه العصور تجارياً.
وما زلنا نتابع ونسجل الاكتشافات الأثرية الجديدة التي تحدث بالمملكة والتي لم يتم إلقاء الضوء عليها إعلامياً بشكل يتفق مع أهميتها، لكي يعرف العالم ماذا تخبئ لنا صحراء الجزيرة العربية من أسرار.