أنجاني تريفيدي
كاتبة من خدمة «بلومبرغ»
TT

عوائق البرودة وصعوبة الحصول على اللقاح

يجري تطعيم الأطباء والممرضين والعاملين الأساسيين الآخرين في الرعاية الطبية ضد فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ولكن في آسيا، التي تصدرت فيها العديد من البلدان جهود السيطرة على تفشي الفيروس، هناك علامات قليلة على أن خطط التوزيع المفصلة جاهزة للتنفيذ الفوري. إذ إن الإمدادات محدودة للغاية والأمور المجهولة كثيرة للغاية. وتحتاج العديد من الحكومات إلى الشروع في توصيل التطعيمات إلى الناس. وفي أغلب الحالات، برغم كل شيء، فإن مقدرة الحكومات على توزيع اللقاح إما أنها مقيدة أو غير موجودة بكل بساطة.
ولقد وقعت بعض الدول على خطط التوريد وخطط الشراء المتقدمة من الشركات المصنعة للقاحات. وبعض الدول الأخرى تواصل عمليات التعاون واستكشاف الخيارات المتاحة محلياً. ولكن في كل مكان، تثير الحاجة إلى المحافظة على درجات الحرارة المثالية لبعض اللقاحات بعض المشكلات الصعبة، مثل مخازن التبريد المجهزة، والتوصيل الملائم إلى المنازل في الوقت المناسب.
وقالت شركة ماكينزي إن نسبة 1 في المائة فقط من شبكات توزيع اللقاحات الحالية جرى إعدادها لتغطية متطلبات سلسلة التبريد التي تحافظ على قابلية استخدام لقاحات فيروس كورونا - بدرجات الحرارة عند مستويات التجميد أو التجميد العميق. ولا تستطيع أغلب البلدان ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة تحمل تكاليف الاستثمار في البنية التحتية على المدى القصير. وربما تضطر العديد من البلدان إلى الاقتراض من المنظمات متعددة الأطراف من شاكلة البنك الدولي. ما يعني توفير التمويل المحدود ووجود وجهة واحدة فقط للحصول عليه بصورة صحيحة.
كيف تستعد الحكومات لمواجهة الموجات الثانية، أو الثالثة، أو حتى الرابعة من الوباء؟ تستعين أغلب الحكومات بخطط التطعيم من عمليات توزيع اللقاحات السابقة. وكانت هذه العمليات في المعتاد تستهدف النساء الحوامل والأطفال، وهم لا يمثلون شرائح السكان على رأس قائمة الوباء الراهن. يغطي برنامج التطعيم الهندي الشامل 26 مليون طفل رضيع و29 مليوناً من الأمهات سنوياً، وهو البرنامج الأكبر من نوعه على مستوى العالم. غير أن الخبراء يقولون إن حتى ذلك لن يكون كافياً لمواجهة الوباء الحالي.
تقول أندريا تايلور، من معهد الصحة العالمية الملحق بجامعة ديوك، إن خطط التوزيع سوف تستند إلى 4 سيناريوهات، ترجع بأصولها إلى درجات حرارة التبريد بالأساس. كما تقول إن أغلب البلدان ذات الدخول المنخفضة والمتوسطة قد استبعدت بالفعل اللقاحات التي تحتاج إلى وسائل التجميد العميق، مع استعدادها لاستخدام سيناريو التبريد القياسي بدلاً من ذلك. وفي نهاية الأمر، فإن اللقاحات المقاومة للحرارة، ومختلف أشكال بخاخ الأنف هي من الحلول المتاحة بالنسبة لهذه البلدان.
ولا يعد أي من هذه الحلول سهلاً، ولكن طرح اللقاح كان من الإشكاليات الدائمة لدى البلدان غير الغنية. وبعد ما يقرب من مرور عقدين على ظهور لقاح التهاب الكبد من الفئة (ب)، كان تعداد السكان المقدر استفادتهم من اللقاح يبلغ نحو 90 في المائة في الأميركتين، ونسبة 28 في المائة فقط في جنوب شرقي آسيا، حيث يمثل المرض مشكلة أكبر بكثير من البلدان الغنية.
تعكس تجربة كوريا الجنوبية المتزامنة مع حملة تلقيح 30 مليون شخص ضد الإنفلونزا أن هناك دائماً مجالاً لوقوع الخطأ، حتى في البلدان التي تملك خطط التطعيم الراسخة. فلقد أعلنت الحكومة هناك استرجاع أكثر من مليون جرعة من اللقاح حتى تكون في الجانب الآمن، وذلك بعد انتشار صور عبر شبكة الإنترنت لصناديق اللقاحات المكدسة في مواقف السيارات. وقالت السلطات الصحية إنها لم تتمكن من العثور على روابط سببية مباشرة بين لقاح الإنفلونزا ووفاة أكثر من 100 شخص بعد حصولهم على اللقاح. غير أن حالة الذعر التي عمت البلاد تعني أن 19 مليون شخص فقط هم الذين حصلوا على الجرعات حتى الآن. ولقد أوقفت حكومة سنغافورة استخدام اللقاح.
كانت كوريا الجنوبية من النماذج العالمية المبكرة في تعقب، وتتبع، واختبار التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد، ولكنها باتت تواجه فورة جديدة في حالات الإصابة مؤخراً. يقول رئيس الوزراء الكوري الجنوبي إن السلطات المعنية سوف تضع خطة جديدة تسمح بالحصول على اللقاحات المشتراة مسبقاً خلال الربع الفصلي الأول من عام 2021، وأعلنت الحكومة أنها بصدد تأمين الجرعات المطلوبة من الشركات المختلفة، بما في ذلك شركة «أسترا زينيكا»، وشركة «موديرنا»، وشركة «فايزر»، وشركة «جونسون أند جونسون». غير أن وزير الصحة في كوريا الجنوبية قد صرح بأنه لا حاجة للإسراع في الأمر، لا سيما أن المخاطر لم يجرِ التحقق منها حتى الآن.
وهذا من مصادر القلق النسبية. ومع ذلك، فإن جائحة فيروس كورونا المستجد لا تتيح رفاهية الوقت التي تحتاج إليها سلسلة إمدادات التصنيع التحويلي التقليدية. وقال ديفيد سيمشي ليفي، وهو مدير مختبر علوم البيانات لدى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «لا يمكننا تحمل تكلفة العملية المتسلسلة. بل إننا في حاجة إلى الشروع في قدرات التصنيع التحويلي اليوم، والمشكلة الحقيقية هي أنها تستلزم استثمارات كبيرة».
ثم هناك الأمر الأكثر اعتدالاً ولكنه بالغ الحساسية، وهو التيسير التجاري: كيفية الحصول على اللقاحات عبر الحدود الوطنية للبلدان. ولنتصور الأمر بأنه برنامج للتجارة - من حيث ضرورة الحصول على الموافقات، والجمارك، والتعريفات الجمركية، والقواعد، واللوائح الخاصة بأجهزة التفتيش، والاعتماد، والتصاريح، وكيفية التعامل مع الطرود، وقوانين الملكية الفكرية ذات الصلة. وخلصت دراسة أجراها مصرف التنمية الآسيوي في عام 2017 إلى أن القيام بذلك بصورته الصحيحة يرفع من معدلات التطعيم، لا سيما في البلدان ذات الدخول المنخفضة.
وبالنظر إلى تجارة الأدوية، التي تبلغ ما يقرب من 50 مليار دولار على مستوى العالم، ندرك سبب عدم وضوح واستقامة هذه العملية. إذ تبدو بعض اللوائح سخيفة للغاية في زمن كارثة الوباء العالمي. على سبيل المثال، يبلغ متوسط التعريفة الجمركية المطبقة على صابون الأيدي نسبة 17 في المائة، في حين أن بعض أعضاء منظمة التجارة العالمية قالوا إن النسبة تصل إلى 65 في المائة، بينما يبلغ متوسط التعريفة الجمركية على مستلزمات الحماية الشخصية من الفيروس نسبة 11.5 في المائة.
وفي مايو (أيار) الماضي، استثمرت الحكومة الكندية مبلغاً وقدره 40 مليون دولار في تحديث إحدى منشآت إنتاج اللقاحات في مونتريال من أجل ضمان الاستعداد الكامل للمعالجة الحيوية الكندية للمرشحين المحتملين للحصول على اللقاح في البلاد عند توافره. وكان من المفترض أن تنتج تلك المنشأة 250 ألف جرعة من اللقاح بحلول نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الجاري. ثم انهارت الشراكة مع شركة «كانسينو بيولوجيكس» الصينية، نظراً لأن سلطات الجمارك في الصين أوقفت الشحنة الأولى من الجرعات التجريبية المرسلة إلى كندا.
أخيراً، من دون وجود طريقة سريعة ومباشرة للحصول على اللقاح، لن يتم القضاء على فيروس كورونا المستجد. ولن نشهد انطلاقاً للانتعاش الاقتصادي الذي قد شهدنا بعض الدلائل عليه في الآونة الأخيرة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»