مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

الصين وأميركا... من سيقهر من؟

إنَّ الحياة السياسية اليوم اقترنت بالاقتصاد والمصالح وتفاعلت مع ما يحدث في الواقع، مما يجعل مفهوم التبادل يتجاوز دائرة العلاقة الاقتصادية الخالصة، ليصبح موضوعه سياسياً واجتماعياً، فهل تستطيع أميركا أن تواجه الصين كما فعل ترمب من دون حلفاء وعلاقات متوترة بين أكبر دولتين اقتصادياً في العالم؟ أم أن بايدن اكتشف استحالة مواجهتها من دون حلفاء وتعزيز العلاقات والتعاون معهم؟
اليوم تعثرت عودة الزمن الإمبراطوري، ويعتقد الباحث الاستراتيجي الأميركي إدوارد ليتواك أن القوى الكبرى لم تعد كبرى، بعد أن فقدت مؤهلاتها وباتت عاجزة ومضطربة، كما يعتقد أن مصطلح الدولة العظمى لم يعد يفيد شيئاً من الناحية الواقعية، لأن لا وجود لمثل هذه الدولة العظمى التي تستطيع وحدها بسط الأمن والسلام في العالم، رغم أن الصين قد استفادت كثيراً من الإصلاح والانفتاح، لذا ستفتح هذه الأبواب في سياستها الاقتصادية.
من الممكن رؤية كيف أن ضخ زخم جديد في كلا الاقتصادين، الصيني والعالمي سوف يتواصل، وسيكون الانفتاح على الخارج بمستوى أعلى، وتُفتح آفاق جديدة للتعاون والكسب المشترك، ودوافع أخرى ستجعل الصين تقوم في مرحلة التنمية الجديدة بإنشاء آلية جديدة للاقتصاد المفتوح على مستوى أعلى، وتنفيذ الانفتاح على أوسع نطاق وعلى أكثر مجالات بأقصى درجة، وكثير من التطور في عصرنا المتخم بالعقبات والانقسامات قد أكسب الصين موقفاً إيجابياً دفع حرية التجارة والاستثمار وتسهيلاتهما، وتشجيع تنمية الابتكار التجاري، وتعزيز التنمية عالية الجودة في البناء المشترك لـ«الحزام والطريق»، وعلى الجانب ذاته، تشارك بنشاط في إصلاح نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية، وسياسة الحكومة موجهة لدعم أسواق التصدير، وتعزيز التعاون الدولي لتحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، اعتماداً على مزايا سوق الصين الكبيرة.
لكن الشيء الأول الذي سيلاحظه المرء في هذا التبادل بأنه فعالية بشرية جوهرية، فمفهوم التبادل يحيلنا إلى ظاهرة إنسانية تميز كل المعاش الإنساني، بدءاً بالتبادل في صورته المادية، أي تبادل الخيرات والسلع والثروات، حين يعترف للأشياء بأنها نافعة بذاتها، تستمد قيمتها التبادلية بين الدول، وازدهرت الصين بعد أن فتحت الأبواب على العالم، وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والولايات المتحدة في عام 1979. وتدفقت الأموال على الصين من قبل المستثمرين الذين كانوا يتوقون للاستفادة من العمالة الرخيصة والإيجارات المنخفضة في الصين، وتوسعت في أنشطتها التمويلية على مستوى العالم، فأصبحت أكبر المعجزات الاقتصادية في التاريخ باعتراف أكبر الاقتصاديين بالعالم.
يتَّضح مما سلف أنَّ خاصية الانفتاح والتعاون والوحدة والكسب المشترك تعتبر من الاستراتيجيات الأساسية للدبلوماسية الصينية، حيث أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ في حفل افتتاح معرض الصين الدولي الثالث للاستيراد الذي أقيم مؤخراً، أنَّ الصين ستوسع بثبات الانفتاح على نطاق شامل، وتحقيق الترابط بين الأسواق الداخلية والخارجية وتقاسم موارد العوامل بشكل أكثر كفاءة، حيث تصبح السوق الصينية سوقاً عالمية وسوقاً مشتركة وسوقاً للجميع. وقد حظي هذا الموقف المهم بترحيب واسع من المجتمع الدولي، وهذا دفع بعجلة الاقتصاد الصيني إلى الأمام، ولفتت آسيا أنظار العالم إليها.
ففي اللحظة التي يبدو فيها نقد الاقتصاد السياسي مثيراً للانتباه، وهدفاً نهائياً في الكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث والتجربة المبنية على مظهر الوقائع، وحالة الانقسام والتذبذب القائمين بين أميركا والصين، يظل التركيز الأساسي منصباً على الفترة الزمنية القادمة مع دخول بايدن للبيت الأبيض، والذي يبدو أنه سيتحول إلى تعزيز التحالفات وتوحيد الصفوف باتجاه واحد تتفق عليه سياسة الولايات المتحدة، وذلك يكون بمنع الهيمنة الصينية لأنَّ أميركا وحلفاءها الأوروبيين تحديداً هم أكبر المتضررين، مما يعني أننا أمام فصل جديد من التحولات الدولية الرئيسية في اصطفاف الدول في ميدان معركة اقتصادية، فمن دون حلفائها التقليديين لن تتمكن من مواجهة الصين، فقد باتت أقوى مما سبق، ولها علاقات عميقة ولها تأثير دولي كبير بالتجارة العالمية.