د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«لكلِ مُتَسَلق نصيب»

ألقى الصديق غسان الوقيان تغريدة عميقة في مياه «تويتر» الراكدة ومضى. غير أنها أحدثت ارتدادات كبيرة قلبت المواجع حيث قال: «لكل متسلق نصيب»! وبالفعل «حفلة التسلق» بكل وسائلها من تزلف وتملق ونفاق و«تكسير مجاديف الآخرين» لم تنتهِ منذ فجر التاريخ. تتغير فقط أدواتها وصورها. فيأتيك المتسلق بثوب الواعظ النصوح لكنه يضمر مساعي خبيثة. ويأتيك آخر خدوم لكنه يخبئ انتهازية مقيتة.
والمتسلقون لديهم قدرة هائلة على تحمل مشاق الرحلة أو بالأحرى إهاناتها. فهم لا يشغلهم شيء سوى بلوغ القمة ولو على حساب من مدوا لهم يد العون. ولذا فالمتسلق لا يتردد في أن يطأ أي صخرة تقف في طريقه، ولا يأبه بمصيرها إن هوت في وادٍ سحيق. ولهذا لا يستجيب المتسلق لنداءات استغاثة من حوله إذا لم تتقاطع مع مصالحه. ومن البديهي ألا يكشف عن أجندته الخفية لمنافسيه في مسيرة التسلق.
والمتسلقون لديهم عضلات قوية تمكنهم من مواصلة عناء الرحلة في مواقع أخرى أكثر وعورة ما دام شعارهم الغاية تبرر الوسيلة. والمتسلق صبور بطبعه ولهذا يخطئ المسؤولون حينما يعتبرون صبره إحدى فضائله فهو لا ينتظر سوى غايته. وربما لا يتردد في التخلص من المسؤول إذا شكل عائقاً أمام تقدمه، كأن يفضحه أو يشهر به. ويرى المتسلق الناظرين إليه من بعيد صغاراً ولكنهم يرونه كذلك، وربما أحقر مما يظن.
وعليه كان من الحصافة أن يَنْصِبْ المسؤول الجديد جداراً وهمياً للمتسلقين الجدد ليكشفهم، على طريقة كشف التسلل في كرة القدم، كأن يلوح لهم بمزايا أو حوافز لقاء تجاوزهم القوانين أو اللوائح. حتماً سيرسب كثيرون في هذا الاختبار، خصوصاً عندما تغيب الحوكمة الرشيدة.
ومهما كان المرء محترفاً في التسلق سيأتي يوم ويقع فيه كما حدث مع ذلك الذي تسلق قمة إفرست مرات عدة، لكنه لقي حتفه في نهاية المطاف. هذا الرجل مات بشرف، غير أن المتسلق الحقيقي الدوني لا يموت بشرف ولا يشار إليه ببنان الإعجاب.
وفي النهاية لا بد أن «يأخذ كل متسلق نصيبه».