علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

من الذهب إلى الورق

حينما تنشأ الدولة، أو تبدأ بالتكوَّن، فإن أهم مقوماتها لتقف هو المال، فإذا جاء المال فلا بد له من إدارة، وهذا ما حدث في السعودية، ففي عام 1928 ميلادية، وقبل إطلاق اسم المملكة العربية السعودية بخمس سنوات، صدر أول نظام نقدي تحت اسم «نظام النقد الحجازي النجدي»، وسك بموجبه الريال العربي، وفي عام 1935 تم سك ريال فضي جديد يحمل اسم المملكة العربية السعودية.
وفي عام 1952، أُنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، وعُين السيد جورج بلوارز، وهو أميركي الجنسية، أول محافظ لمؤسسة النقد العربي السعودي، وعُين راسم الخالدي نائباً له، وفي سنة 1952 صدر مرسوم ملكي باعتماد جنيه الذهب السعودي عملة رسمية للسعودية، وصدرت أول عملة سعودية باسم الملك عبد العزيز في 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1952.
وفي عام 1953، وبهدف التيسير على الراغبين بأداء فريضة الحج من عناء حمل العملات المعدنية الثقيلة، أصدرت المؤسسة إيصالات الحجاج؛ الإصدار الأول من فئة عشرة ريالات.
وفي عام 1959 صدر نظام النقد السعودي الرابع، الذي أجاز إصدار العملة الورقية الرسمية المتمتعة بصفة التداول القانوني، لنتحول من الذهب إلى الورق.
ثم توالى بعد ذلك تعيين المحافظين، ليكون آخر محافظ لمؤسسة النقد العربي السعودي قبل تحولها إلى بنك مركزي الدكتور أحمد بن عبد الكريم الخليفي.
يبرز سؤال مهم، وهو لماذا تمت تسمية البنك المركزي السعودي بمؤسسة النقد؟
بلا شك السبب عقائدي، فلم تكن البنوك مرحباً بها في ذلك الوقت، فاستخدمت الحكومة أسلوباً ذكياً في التسمية إرضاء لشعبها، وإن كانت مؤسسة النقد تقوم بعمل البنك المركزي حرفياً، وللتدليل على ذلك، فبنك الراجحي الحالي، أو مصرف الراجحي، كما يحلو للبعض تسميته، كان اسمه في السابق مؤسسة الراجحي المصرفية، ويكفي أن الراغبين في إنشاء الغرفة التجارية استمزجوا مفتي السعودية في ذلك الوقت، رغم بساطة الموضوع ونبل الهدف.
وربما ينطبق علينا قول الغزالي إننا أصحاب فقه بدوي ضيق، فحينما قال إنني أستمع لأم كلثوم هاجمه البعض، لتتطور أفكارهم لاحقاً ويصدروا فتاوى في إباحة الغناء، وليجتهد البعض في مسألة الرباء.
ليذكروا أن حديث أبو هريرة الذي قال فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، «الذهب بالذهب والفضة بالفضة... إلخ سواء بسواء»، حيث قالوا إن علة الأصناف الستة المذكورة في الحديث هي الوزن، بينما أجازوا الزيادة بالنقد الورقي، لأنه غير موزون، ولأن الزيادة مقابل المدة، كل هذه التخريجات تريك التطور الفكري في السعودية، لنصل إلى تحويل مسمى مؤسسة النقد السعودي إلى البنك المركزي السعودي، وليكون أول محافظ له الدكتور أحمد بن عبد الكريم الخليفي. ليقوم البنك المركزي بأعمال مؤسسة النقد حرفياً، ليتضح أن التغيير في المسمى فقط، ولنتوافق مع المسميات العالمية مع بقاء المهام على ما هي عليه.
وهنا ينطبق على السعوديين مقولة الفيلسوف الفرنسي «فكر الإنسان فكر تجاوزي»، بمعنى أن ما يؤمن به اليوم قد يكفر به غداً، وأن ما يكفر به اليوم قد يؤمن به غداً، ونحن السعوديين قبلنا التغيير، لننسجم مع العالم دون حساسية، ونتيجة لتطور فكري قادنا للتوافق. ودمتم.