د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

أذن العربي لا تسمع!

لو جمع أحدنا ما سمعه في عام لبلغ 365 كتاباً في السنة! فإذا افترضنا أن معدل تحدث العربي 100 كلمة في الدقيقة، ويمضي 5 ساعات يومياً في سماع ما حوله من أناس وتلفاز ومذياع وشاشة صغيرة في جيبه، فهذا يعني أنه قد سمع 6 آلاف كلمة في الساعة، أي بمعدل كتاب في اليوم (30 ألف كلمة).
وكشخص أعمل في النصوص لما يزيد على ربع قرن، أعتبر نفسي متحفظاً في هذه الأرقام، لأن المعلق الصوتي المحترف VO يتكلم بمعدل 150 إلى 160 كلمة في الدقيقة الواحدة، وهي مقدار ما نسمع في دقيقة الأفلام الوثائقية. في حين أن الإنسان العادي يتراوح عدد كلماته ما بين 100 إلى 130 كلمة في الدقيقة.
مشكلتنا أننا ننسى حسن اختيار من نجالس، ثم يمضي اليوم وقد أهدرناه في حوار عقيم، أو برنامج سخيف، أو ملاسنة تافهة.
وما يؤلم أننا من الأمم القلائل التي أوجدت سوقاً للإصغاء؛ حيث كان العرب في «سوق عكاظ» يمارسون فضيلة الإنصات للمبدعين من الشعراء. بل قد علقنا أجمل ما قالوا على أستار الكعبة، أقدس الأماكن. غير أن كثيراً منا لم يستمر على منوال أسلافه في انتقاء ما يسمع. فصرنا نفرش الأرض وروداً للتافهين في وسائل التواصل، وننسى حسن انتقاء ما نسمع يومياً. وقد فاقمت معضلتنا مدارسنا العربية التي تصرّ على تعليمنا فن الخطابة، مع أننا أمة شفهية، ويندر أن تجد فصلاً أو منهاجاً يعلمنا فن الإنصات. وقد جاءت معجزة القرآن لتتحدى العرب بأن هناك ما هو أفضل من كلامهم، مهما بلغ مقدار إعجابهم به.
والفرد نفسه يتحمل نصيب الأسد حينما لا يريد أن يسمع سوى رأي واحد، لا ينوع محيط صداقاته ولا مشاهداته. فيقلل من فرص توسيع مداركه الفكرية، ورؤيته للأمور من زوايا مختلفة. عقل الإنسان يحتاج إلى «دهشات معرفية» يومية أو معلومات جديدة حتى يفكر بطريقة مختلفة، على أمل أن يأتي عمله بنتائج أفضل من أسلوبه القديم الذي يزيد من إحباطاته.
وما دمنا لا نلتف لمن يستحق الإنصات فلن تشرئب أعناق العرب نحو العالِم والخبير والمبدع والضليع في مجاله. وستبقى الساحة مرتعاً للتفاهة والتافهين.