خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

الربائد وأرشيون!

في بداياتنا الصحافية كانت قاعة أرشيف الجريدة هي الملاذ لنا في البحث عن المعلومات، والحصول على وثائق هنا وهناك. كانت القاعة جميلة مملؤة بالرفوف وفوقها الملفات السوداء الثقيلة، والتي كان يحفظ فيها كل شيء من الصور والوثائق والرسومات والأفلام والخرائط وغيرها.
كان الأرشيف وقتها، وأنا أتحدث عن نهايات الثمانينات الميلادية، كنزا لا ينضب ومحراب علم وثقافة لا يشق لهم غبار.
وفي جميع الأوقات كان الزملاء يبحثون عن كل شيء يفيد مضوعاتهم وتحقيقاتهم ومقالاتهم.
الأرشيف تعني باللغة الإنجليزية كلمة «archives». وهناك من يعتقد أن كلمة أرشيف أعجمية وعربيتها «الربائد» ومفردتها «الربيدة».
لكنني قرأت أيضا أن «الأرشيف» كلمة يونانية الأصل استعملت للدلالة على المكتب، وهى مشتقة من كلمة يونانية «أرشيون» وتعني «مكان إقامة القاضي».
على العموم الأرشيف هو المكان الذي تحفظ به مجموعة الوثائق الناتجة عن نشاط أشخاص أو مؤسسات أو حكومات ولأغراض البحث سواء الإداري أو العلمي أو القانوني أو التاريخي.
وقد دخلت مبنى أرشيف جريدة في المنامة قبل يومين وفوجئت بالقاعة خالية تماما إلا من موظف راح يطالعني باستغراب. بصراحة لم أضيع وقتا طويلا فقد عرفت أن الغالبية الساحقة من الكتاب والصحافيين، وأنا منهم طبعا، قد استغنوا عن الأرشيف أو كادوا، وقد تعددت الأسباب والبحث واحد.
جاء الكومبيوتر إلى الدنيا وقلب كل الموازين وأزاح عروشا كبيرة كانت تتربع في قمم الأرشيف. فقد كانت جريدة مثل «الأهرام» المصرية تبيع نسخا من أرشيفها الضخم لبعض الصحف العربية الجديدة، وكانت سيدة الأرشيف بلا منازع لسنوات طويلة.
بل ودخل أخونا «غوغل» ومحركه البحثي العظيم فقلب كل الموازين في الحصول على المعلومات وبأسرع وقت ممكن، ووثائق كان من المستحيل العثور عليها وهى موزعة في أكثر عاصمة أوروبية وأميركية وآسيوية.
الآن يبدو أن الأرشيف العادي سوف يدخل هو بنفسه إلى الماضي، ويصبح أرشيفا يسبح على أغلفته ملفاته كميات الغبار وتزحف عليه العناكيب وتستقر بين رفوفه.
زمن!