مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

نجاح استثنائي لقمة العشرين

لقد رسمت المملكة العربية السعودية نموذجاً رائعاً وجمعت بين التكامل والتنسيق في الأعمال كافة، ورئاستها للمجموعة أحدثت أثراً ملحوظاً في تاريخ العالم، فمجموعة العشرين هي المنتدى الرئيس للتعاون الاقتصادي الدولي، وتضم قادة من جميع القارات يمثلون دولاً متقدمة ونامية، وأعلى مستوى من التعاون، حيث تمثل الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، مجتمعةً، نحو 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، وهذا بدوره يساعد على أن تصبح الجهود المبذولة لإنجاح هذه القمة عظيمة وتسجَّل في صفحات الإنجاز، وهذا ليس بالأمر اليسير، حيثُ يجتمع ممثلو دول المجموعة لمناقشة القضايا الاقتصادية والقضايا الاجتماعية في فترة استثنائية.
نجاح قمة العشرين محل فخر واعتزاز قدمته المملكة وتميزت في عرضه بمنتهى الوضوح والإتقان، ما جعل العالم يشيد بذلك، وتتابعت رسائل الشكر من الاتحاد الأوروبي ورؤساء دول المجموعة المشاركة، فتلك هي الكيفية التي يتولد بها الابتهاج قبل التفكير، عندما تبهرنا الحقيقة وتكون الفكرة التي قدمتها هي نتاج الفكر المستنير لقائد بحجم الملك سلمان عبّرت كلمته عن أعلى مستوى من الإدراك وأعمق فهم لجوهر الحياة، بما تفضل به في وقت استثنائي يعاني فيه العالم من تبعات جائحة كورونا (كوفيد – 19)، والعمل على بناء مستقبل مزدهر لشعوب العالم أجمع، ومناقشة اقتصاد قوي ومستدام وشامل ومتوازن، وتفعيل الجهود الرامية إلى جعل النظام التجاري العالمي صالحاً للجميع، وتهيئة الظروف لتحقيق التنمية المستدامة، وإرساء الأسس لتحقيق الهدف العام وهو اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع.
من هنا يكون تحقيق الغاية الحقيقية من قمة كبيرة تجمع العالم بناءً على إرادة عامة، وعلى تعدد الأصوات، ويسهم في أساس الميثاق السياسي والاقتصادي والاجتماعي ليكون لكل شيء قيمة، ويدرك العالم المزيد من أهميته في تقديم رسالة تبعث بالاطمئنان لجميع شعوب العالم، من خلال بيان القادة الختامي للقمة، والتبليغ به عن بُعد، وقد تضاعفت حيويته وتوافقت طاقته التعبيرية محتوية على 38 نقطة. في الوقت الذي دعا قادة القمة إلى الارتقاء إلى مستوى التحدي في مواجهة الفيروس.
ودعا خادم الحرمين وولي العهد إلى تهيئة الظروف على نحو يسمح بتوفير اللقاحات للشعوب كافة كفضاء أرحب يشمل الجميع. ويساعد على هذه التهيئة جعل الأنظمة الاقتصادية أكثر مرونة، والتنسيق المنظم ليكون أساساً في التعامل، ويؤكد مسؤوليته إزاء قضايا العصر ويمنحه منزلة استثنائية.
تترسخ اليوم أشكال التأثير في الظروف الموضوعية، وقد دعت السعودية قادة العشرين خاصة، وقادة العالم عامة، إلى عمل كل ما من شأنه أن يقود المجتمع الدولي لحماية البيئة والمناخ لحماية كوكب الأرض، وهذا الدور يصنع تاريخه ومسؤوليته، ويحمل على عاتقه ثقل العالم بأسره، وستقوم المملكة بإطلاق البرنامج الوطني للاقتصاد الدائري للكربون. والهدف ترسيخ وتسريع ما يُبذل من جهود لتخفيف العوائق، والسيطرة على آثار التحديات المناخية والانبعاثات سعياً وراء تحقيق الاستدامة، وسبق أن أقر وزراء الطاقة في دول مجموعة العشرين في لقائهم في سبتمبر (أيلول) الماضي، المقترح المقدم من المملكة، باعتماد منصة ونهج الاقتصاد الدائري للكربون. ويمكن تطبيقه على نحو يعكس أولويات كل دولة وظروفها الخاصة.
مكانة المملكة الإقليمية والدولية وموقعها الفريد الذي يربط بين ثلاث قارات، يشكّل حلقة وصل بين الأسواق الناشئة والمتقدمة. وهذا أشار إليه الملك سلمان في خطابه، وعن الدور الذي تقوم به المملكة في مجموعة العشرين لتحقيق التعاون العالمي، وإيجاد الحلول لأكثر التحديات العالمية إلحاحاً في القرن الحادي والعشرين بالتعاون مع الشركاء في المجموعة وبقية الدول.
إنه لمشهد جميل وعظيم، ما حققته هذه القمة من نجاح من خلال حرص جميع أعضائها على المشاركة وبصورة فعالة، على الرغم من الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم أجمع، بما أنه يملك وسائل عمله ويتصرف في إنتاجه، وتعلق الأمر بأسبابه وتقدير نتائجه يجسد جلياً ما تحظى به المملكة من تقدير ومكانة مرموقة لدى المجتمع الدولي، وهو مبعث فخر واعتزاز جعل التعامل في غاية المرونة واليسر بين دول العالم.