أندرياس كلوث
خدمة «بلومبيرغ»
TT

الاضطرابات الاجتماعية و«كوفيد ـ 19»

«عندما كان لمرضنا وفقرنا احتياجات أكبر مما يمكننا توفيره، فالأوامر الصارمة أدت إلى إثارة غضبنا وحزننا بشكل أكبر، كما أنها أعاقت تحقيق الإغاثة»... هذه هي الطريقة التي شرح بها الشاعر البريطاني جورج ويذر انتشار التمرد ضد قرارات التباعد الاجتماعي، حينما نزل الناس إلى الشوارع للاحتجاج على قرارات الحجر الصحي وعمليات الإغلاق التي رأوا أنها بمثابة عقوبات غير عادلة واستبدادية، وكان ذلك الوقت هو 1625 والمكان هو لندن، والمرض هو الطاعون.
وقد تم استدعاء هذا الوضع مرة أخرى حينما خرج حوالي 20 ألف شخص إلى شوارع لايبزيغ في ألمانيا، السبت الماضي،
وفي انتهاك لجميع القرارات الحكومية فقد رفض حوالي 90 في المائة من المتظاهرين ارتداء الأقنعة الواقية، وذلك وفقاً لتقديرات الشرطة الألمانية، وقد مثل هؤلاء المتظاهرين طيفاً متنوعاً من منظري المؤامرة ومحبي الحرية والمتطرفين اليمينيين وأولئك الذين يحنون ببساطة إلى ثورة ألمانيا الشرقية السلمية قبل 31 عاماً.
وكانت هذه هي الأحدث فقط من بين العديد من مثل هذه المظاهرات هذا العام، في ألمانيا وعشرات البلدان الأخرى، حيث قام الناس بمسيرات وأعمال شغب واحتجاجات من ميدان ترافالغار إلى ميشيغان ستيت هاوس، وأحياناً كانوا مسلحين بالرشاشات، وقد أحصت مؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي أكثر من 30 احتجاجاً كبيراً في 26 دولة بين مارس (آذار) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين فقط ضد قيود فيروس كورونا المستجد.
لكن سواء كانت الاحتجاجات في لايبزيغ أو ميشيغان، في بريطانيا أو أستراليا، فإنها لا تمثل سوى فئة واحدة من الاضطرابات، وذلك كما يعتقد توماس كاروثرز وبنيامين برس من «كارنيغي»، حيث يرون أن هذه الاحتجاجات تنفس عن إحباطات الأشخاص الميسورين نسبياً الذين يعيشون في ديمقراطيات مزدهرة وفعالة.
ولكن هناك فئة مختلفة من المتظاهرين، وهم الذين خرجوا في العديد من الاحتجاجات ضد الحكومات أو القادة المشتبه بأنهم فاسدون (في بلغاريا على سبيل المثال)، أو غير الكفؤ (في البرازيل) أو ضد الديماغوغيين وغير الليبراليين وحتى غير الديمقراطيين.
فالإسرائيليون، على سبيل المثال، احتجوا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعد أن أغلق المحاكم، وقام بتعليق جلسات البرلمان، وطالب بالمراقبة الرقمية، وكل ذلك باسم مكافحة الوباء، كما نزل الصرب إلى الشوارع ضد رئيسهم ألكسندر فوتشيتش، والذي كان قد رفع عمليات الإغلاق للسماح بإجراء انتخابات كانت في مصلحته، لكنه ساهم في النهاية في عودة ظهور الفيروس، ثم فرض إغلاقاً ثانياً، فسره الصرب على أنه بمثابة قمع للمعارضة.
وهناك نوع ثالث من الاحتجاجات وهو الأكثر شيوعاً في البلدان الفقيرة، حيث يحتشد المحتجون ليس لأنهم قلقون بشأن الفيروس أو بشأن الديمقراطية، ولكن لأنهم يخشون على معيشتهم، ففي ملاوي، سار الباعة الجائلون حاملين لافتات تقول «نفضل الموت من الكورونا على الموت من الجوع»، كما أثار مواطنو الإكوادور أعمال شغب ضد سياسات فيروس كورونا التي تهدد بإفقارهم، بما في ذلك إغلاق الشركات المملوكة للدولة وخفض الرواتب.
ثم هناك العديد من الاحتجاجات التي يبدو أنها لا علاقة لها بكوفيد - 19، ولكنها ربما أصبحت أكثر إلحاحاً في سياق الوباء، فهناك احتجاجات «حياة السود تهم» التي تمثل انتفاضة ضد الظلم العنصري والتي بدأت من جديد في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد، ثم انتشرت بعد ذلك في 16 دولة أخرى على الأقل، من فرنسا وبريطانيا إلى البرازيل وجنوب أفريقيا، وسيتم تسجيل صور الحشود الأيقونية وهم يرتدون الأقنعة الواقية في كتب التاريخ إلى الأبد.
ورغم الآمال الجديدة في الحصول على لقاح، فإن فيروس كورونا سيدخل الآن في أكثر مراحله فتكاً في العديد من المناطق مع دخول الشتاء، وحتى بعد هزيمة الفيروس، فإن العديد من آثاره ستظل باقية لسنوات أخرى.
ومثل زيت التربنتين، فقد أعاد فيروس كورونا إشعال الانقسامات القديمة والاستياء وعدم المساواة في جميع أنحاء العالم، ففي الولايات المتحدة، يعاني الأميركيون السود بشكل غير متناسب من وحشية الشرطة ومن فيروس كورونا أيضاً، والآن باتت هذه المظالم تمتزج معاً، وفي كل مكان، يكون الثمن الذي يدفعه الفقراء أكبر من ذلك الذي يدفعه الأغنياء.
وستطيح بعض الاضطرابات بالحكومات، وسيتم قمع البعض الآخر، ففي عام 1381 انتفض فقراء الريف الإنجليزي فيما يسمى بثورة الفلاحين، فقاموا بالقتل والنهب والحرق، وقد فعلوا ذلك لأن حياتهم أصبحت غير قابلة للعيش بعد أن وصل الموت الأسود (الطاعون) إلى بلادهم، ولكن لم تفعل النخب شيئاً في ذلك الوقت لتحسين الأمور.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»