زهير الحارثي
كاتب وبرلماني سعودي. كان عضواً في مجلس الشورى السعودي، وكان رئيساً للجنة الشؤون الخارجية، وقبلها كان عضواً في مجلس «هيئة حقوق الإنسان السعودية» والناطق الرسمي باسمها. حاصل على درجة الدكتوراه في فلسفة القانون من جامعة كِنت - كانتربري في بريطانيا. وهو حالياً عضو في مجلس أمناء «مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني». عمل في النيابة العامة السعودية إلى أن أصبح رئيساً لدائرة تحقيق وادعاء عام. مارس الكتابة الصحافية منذ نحو 3 عقود.
TT

أصبح التطرف منزوياً... والفساد صار من الماضي!

السعودية في حراك دائم وهي التي تستعد هذه الأيام لرئاسة اجتماع قادة مجموعة العشرين لترسخ مكانتها كدولة محورية في منظومة الاقتصاد العالمي، ورقم صعب لا يمكن تجاوزه في المنطقة. تزامن ذلك مع حديث مهم وشامل وشفاف لولي العهد الأمير محمد بن سلمان استعرض فيه ملفات عديدة بالمعلومات والمنجزات والأرقام والإحصائيات الموثقة وتناول قضايا كثيرة منها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مؤكداً أن بلاده تشهد «نقلة نوعية في قطاعات جديدة وواعدة، نظراً لما تمتلكه المملكة من إرث ثقافي وتنوع جيوغرافي وديموغرافية فريدة من نوعها تتيح لها أن تكون في مصاف كبرى الدول في قطاعات السياحة والثقافة والرياضة والترفيه وغيرها».
الشعور الذي ينتابك وأنت تستمع إلى كلام الأمير أن سعودية جديدة تتشكل اليوم وقادمة للمنافسة بقوة. الدولة حسمت أمرها في مشروعها الإصلاحي ولا عودة للماضي، وإنما المضي قدماً رغم المصاعب والعوائق، وبالتالي تلمس الإصرار والعزيمة في الوصول إلى الأهداف. التطوير والإصلاح حاجة ملحّة تقتضيها متطلبات العصر من أجل المرور إلى موقع أفضل ضمن السياق الإنساني والاجتماعي.
صراحة الأمير كانت لافتة وهو يكاشف شعبه حول قصة الإرهاب في بلاده، قائلاً: «كانت ظاهرة التطرف بيننا بشكل مستشرٍ، ووصلنا إلى مرحلة نهدف فيها، في أفضل الأحوال، إلى التعايش مع هذه الآفة. لم يكن القضاء عليها خياراً مطروحاً من الأساس، ولا السيطرة عليها أمراً وارداً». المثير للدهشة كيف كانت قوة تيار الممانعة آنذاك ومحاولته جرَّ البلاد إلى الوراء. الأمير كان قد قطع وعداً بمواجهة التطرف، يقول: «خلال سنة واحدة، استطعنا أن نقضي على مشروع آيديولوجي صُنع على مدى 40 سنة. اليوم لم يعد التطرف مقبولاً، ولم يعد يظهر على السطح، بل أصبح منبوذاً ومتخفياً ومنزوياً. ومع ذلك سنستمر في مواجهة أي مظاهر وتصرفات وأفكار متطرفة. هذه رسالة مُطمئنة للشعب وحاسمة للظلاميين والمتطرفين والمتشددين الذين أغلقوا البلاد عبر عقود ودمّروها ثقافياً وفكرياً وأدخلوها في حالة من البؤس والانغلاق والكراهية لكل ألوان الحياة والفنون والترفيه، وكرسوا الفكر الظلامي. هؤلاء قتلوا الحياة وعشقوا الموت ووفّروا بيئة خصبة للحركات المتطرفة».
الأمير رفض أي محاولة للربط بين الإسلام والإرهاب، لكنه طالب بنقطة مهمة وهي «أن يتوقف العالم عن ازدراء الأديان ومهاجمة الرموز الدينية والوطنية تحت شعار حرية التعبير، لأن ذلك سيخلق بيئة خصبة للتطرف والإرهاب». وهو مُحقٌّ في ذلك، لأن هذا الاستفزاز والتصعيد سيؤديان إلى اندلاع حرب عقائدية ذات نزعة متطرفة تعزز التطرف التعصب الديني.
وفيما يتعلق بحملة مواجهة الفساد، ذكر ولي العهد أن الفساد «انتشر خلال العقود الماضية مثل السرطان، وأصبح يستهلك 5% إلى 15% من ميزانية الدولة». رقم مفزع حقاً بدليل أنه وصفه بالعدو الأول للتنمية والازدهار، مؤكداً أن الفساد في بلاده «أصبح من الماضي، ولن يتكرر بعد اليوم على أي نطاق كان من دون حساب قوي ومؤلم».
المتابع لما يجري يلمس انخراط المجتمع السعودي في هذه المعركة الشرسة كونه أدرك خطورة الفساد. قرارات الأمير الشجاعة حديث الناس ولا تزال تتردد أصداؤها في أرجاء الوطن، فالرسالة قد وصلت إلى الجميع فلا يمكن لوطن أن يُنجز ويتقدم والفساد ينخر هيكله الداخلي.
كان صريحاً باعترافه بمعاناة المرأة السعودية في الماضي، لكنها اليوم، كما يقول الأمير: «تعيش مرحلة تمكين غير مسبوقة، لا سيما في مجالي العمل والأحوال الشخصية، وباتت اليوم فعلياً شريكاً للرجل السعودي في تنمية وطننا جميعاً من دون تفرقة. لقد تضاعفت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 17% إلى 31%».
كانت السعودية تُوصف بأنها دولة منغلقة، إلا أنها تمضي اليوم في مسار لتصبح دولة عصرية ومدنية. قرار التحول يُعد أهم قرار، لأنه يعني السيرورة كدولة والانطلاق لعالم المنافسة وتعبيد الطريق للأجيال المقبلة، فالدولة في الحالة السعودية تجدها أكثر تقدماً من المجتمع، كونها هي التي تسحب المجتمع للأعلى، فملامح التغيير واضحة واتُّخذت قرارات تاريخية لمن يستوعب إبعادها، منها ما هو داخلي وما هو مرتبط بملفات خارجية بهدف حماية أمن بلادنا ومصالحها العليا.
ولي العهد تناول ملفات أخرى جاءت ضمن محاور «رؤية 2030». واللافت أنه يؤكد نجاح مسار الرؤية بالأرقام والمعلومات، أي إنها جاءت كضرورة ومتطلب حتمي، وليست شعاراً دعائياً أو ترفاً. هذه الرؤية شملت خططاً واسعة وبرامج اقتصادية واجتماعية تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل عبر تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز الشفافية والنزاهة، والانتقال إلى مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي، وتخفيض معدل البطالة، وزيادة الإيرادات غير النفطية، ورفع نسبة تملُّك السعوديين للمساكن. إذن نحن أمام تحول فعلي وحقيقي وجاد لإصلاح جذري من خلال مشروع حضاري ينقل البلاد إلى موقع يليق بها.
الرؤية الشجاعة والإرادة والواقعية وقدرة اتخاذ القرار ومواجهة النتائج والتعاطي معها، كلها أدوات مفصلية في شخصية ولي العهد، الذي استطاع من خلالها أن يجعل بلاده تحت الأضواء بشكل إيجابي وبصورة أكثر إشراقاً واحتراماً. لقد جاء في اللحظة التاريخية المناسبة لبلادنا من أجل نقلها لمرحلة جديدة وضرورية، إن أردنا الحقيقة.