د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

تجربة الانصياع

لماذا ننصاع لأوامر الآخرين أو أفكارهم حينما لا تنسجم مع قناعاتنا أو ضمائرنا الحية؟ سؤال حيرنا جميعا، وشغل أحد العلماء وهو «ستانلي ملغرام» فقرر أن يجري تجربة شهيرة. فأتى بمشاركين وطلب منهم الانصياع لتعليمات «المشرف» عندما يطلب منهم تمرير تيار كهربائي خفيف إلى ذراع شخص آخر في الغرفة الزجاجية أحكم تقييده فيها. وذلك عندما يجيب بإجابة خاطئة. ولم يكن القابع في الغرفة سوى «ممثل» يتظاهر بالصعق عبر صراخه واستغاثته.
فبدأت التجربة بإلحاح «المشرف» على «المشارك» بأن يصعق الضحية «الممثل» ولا يعلم المشارك أنه يصعق ممثلا أصلا. وكانت المفاجأة أن الكثير من المشاركين قد استمروا في صعق الضحية مرات عديدة رغم توسلاته بأن يخرجوه بسرعة من هذه الغرفة التي لا تطاق.
العالم يرى أن تجربته كانت محاولة لمعرفة «كمية الألم» التي يمكن أن يسببها فرد بسيط لآخر بسبب تنفيذه لأوامر من لديه سلطة. وهذا ما حدث بالفعل فقد كان بعض المشاركين يخشون تعرض الضحية لأذى، لكن المشرف يصر على تجاهل ذلك والاستمرار في صعقها. وتبين أن سلطة الفرد يمكن أن «تتجاوز ما يمكن تخيله» بحسب تجربة جامعة ييل العريقة. وقد تقاضى المشاركون ما يوازي في عصرنا عشرين دولارا في الساعة، وشارك بها ما بين عشرين إلى خمسين مشاركا من شتى المستويات الاجتماعية والثقافية من حملة الدكتوراه حتى من لم يتم تعليمه الثانوي.
هذه التجربة التي قيل للمشاركين فيها عام 1963 بأن هدفها «قياس أثر العقاب في التعلم» كذبة، كانت في الحقيقة تحاول أن تقيس مدى انصياع الناس للسلطة. وهي ليست الدراسة الوحيدة فهناك العديد من الدراسات التي اطلعت عليها في قوة تأثير السلطة على سلوكياتنا.
صحيح أن أحد أهداف العالم ملغرام كانت محاولة إيجاد الإجابة عن التساؤل التالي: هل يعقل أن دور الجنود الذين نفذوا مذبحة الهولوكوست لم يتعد تنفيذ الأوامر؟ وهل يمكن أن يكونوا شركاء في الجريمة؟ غير أن واقع الحال يشير إلى أن بيننا حاليا من لديهم الاستعداد للانصياع لسلطة من يرجون أن ينالوا من ورائه مصلحة أو منفعة معنوية، فما بالنا إذا كانت المصلحة مادية بحتة.
والمشاركة في الجريمة أو فيما يندى له الجبين هي مشاركة بالفعل نفسه حتى ولم لم تستيقظ ضمائرنا من سباتها العميق.